بقوانين مليئة بالثغرات ورقابة شبه منعدمة أصبحت لندن مدينة الضباب "مركزًا للأموال القذرة"، لكن "روائحها فاحت" على وقع أزمة أوكرانيا.
هذا ما كشفته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، عن العاصمة لندن، حيث أوضحت أنه يعتقد أن الجزء الأكبر من عمليات غسل الأموال تتم عبر المصارف المتمركزة في مدينة الضباب، التي تعد من أبرز وجهات الراغبين بتبييض الأموال حول العالم.
ويستفيد تجار "الأموال القذرة" من الثغرات القانونية بسهولة، في ظل ضعف الرقابة، حيث تتراوح قيمة الأموال التي يجري تبييضها سنويا في بريطانيا، بين 23 و57 مليار جنيه إسترليني، وفق توقعات منظمات مدنية معنية بمكافحة الفساد.
يأتي ذلك بسبب افتقاد المملكة المتحدة قواعد عملية وواضحة، رغم كونها مركزا ماليا منفتحاً، في ظل غياب القدرة على التحقـق مـن المعلومـات والمعطيات الخاطئة وإزالتها من السجل.
كما أن الجزر التي احتفظت بها الإمبراطورية البريطانية، مثل "جزر فيرجين" و"جزر القنال" شكلت ملاذا للأمـوال "القذرة" والمجموعـات الوهمية وشركات التحايل والتمويه.
وتشكل العقارات في مناطق وسط لندن مثل مدينة وستمنستر وكينسينجتون وتشيلسي جزءًا كبيرًا من هذه القيمة.
وبحسب المعلومات التي أوردتها الصحيفة البريطانية، استنادا إلى بيانات مركز السجل العقاري، فإن حجم الصفقات "المشبوهة" في شراء المساكن التي تمت عبر شركات ذات ارتباطات خارجية، بلغ نحو 122 مليار جنيه إسترليني.
وبحسب الأرقام، فهناك نحـو 84000 منـزل مملـوك في بريطانيا بشكل مجهول، كما أن ما قيمته 6.7 مليار جنيه إسترليني من الممتلكات في بريطانيا تم شراؤها بثروات مشبوهة.
كما أن هناك 1.5 مليار جنيه إسترليني، أي حوالي 150 سند ملكيـة، تم شراؤها مـن قبـل روس متهمـين بالفساد أو لديهم صلات وثيقة بـ"الكرملين"، وفقا للصحيفة ذاتها.
وتسعى الحكومة إلى تشديد التدابير للحد من عمليات غسل الأموال، حيث حكم القضاء البريطاني بالسجن 13 عاما على الوالي السابق لولاية "دلتا" النيجيرية الغنية بالنفط جيمس إيبوري، على سبيل المثال، بعد إدانته بتبييض الأموال.
وذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أن "هذه الأموال تدار في شركات في أقاليم ما وراء البحار البريطانية والأقاليم التابعة للتاج".
كما أنه "غالبًا ما يتم استخدام السرية التي توفرها هذه المراكز المالية الخارجية من قبل أولئك الذين يسعون لإخفاء ملكيتهم للأصول".
وأشار التقرير إلى السهولة البالغة التي يتم من خلالها تسجيل شركة، حيث يمكن للشخص تسجيل شركة في غضون دقائق، دون أن يتحقق أحد من المعلومات.
وعادة تتم الموافقة على الطلبات في غضون 24 ساعة. إذ ليس لديهم في الواقع السلطة القانونية للتحقق من المعلومات، والتحقيق في المعلومات الخاطئة أو إزالتها من السجل.
وفي الوقت الراهن هناك بعض العناوين داخل المملكة المتحدة التي تضم آلاف الشركات المسجلة بها وإذا طرقت الباب فلن تجد أحدا.
الجيش اللبناني يكشف عن أسباب غرق زورق طرابلس
ويتم تجهيز هذه الأماكن حرفيا لإخفاء الملكية الحقيقية لمن يتحكم بالفعل ويستفيد من الأموال المتدفقة عبر تلك الشركة.
كما يشير أيضا إلى دور البنوك البريطانية، حيث شارك حوالي 86 بنكا في نقل الثروة الفاسدة حول العالم، وبمجرد وصول الأموال إلى لندن يمكنك بعد ذلك استخدامها بشكل أساسي كما لو كانت نظيفة.
ويمكنك امتلاك ممتلكات في المملكة المتحدة من خلال شركة صورية، أو حتى شركة صورية خارجية، وإذا كنت تمتلكها بالفعل من خلال شركة صورية خارجية فلا يتعين عليك تحديد هوية مالك العقار.
وبرعت مكاتب المحاماة البريطانية في تقديم المشورة بشأن هذه المعاملات المعقدة، ومساعدة هؤلاء في الحصول على التعويض المناسب.
ويخلق ذلك بنية ملكية غير شفافة لبعض من أكثر المنازل قيمةً في المملكة المتحدة، ويصل عدد المنازل التي يملكها مجهولون إلى ما يقرب من 84 ألفا.
ويوجد 81 شركة محاماة و86 بنكا و177 مؤسسة تعليمية في بريطانيا قبلت أو نقلت الأموال "القذرة" من جميع أنحاء العالم.
هكذا أصبحت لندن أقدم العواصم العالمية، الوجهة الأولى لغسل الأموال في العالم رغم الجهود التي تبذل في مواجهة مثل تلك الظاهرة، فهل يحين وقت التنفيذ؟ يتساءل المراقبون.