عجلة الحرب وآمال السلام.. ماذا ينتظر أوكرانيا في 2024؟
جمود سيطر على الميدان في الأشهر الأخيرة، وتغييرات سياسية طفيفة على مشهد الدعم لكييف، يسيلان كثيرا من الحبر حول مستقبل الصراع بـ2024.
ووفق مركز بروكينغز، قد تكون الأشهر الأولى، نقطة تحول عسكرية أو سياسية في الحرب بين أوكرانيا وروسيا؛ فالجمود في ساحة المعركة، والتردد بين حلفاء أوكرانيا في الولايات المتحدة وأوروبا، والتوترات السياسية الداخلية في كييف، عوامل تهدد قدرة أوكرانيا على الدفاع ضد الهجوم الروسي الشامل.
ومن بين هذه العوامل، قد يكون تذبذب شركائها الغربيين، وهو ما ظهر في الصعوبات التي تواجهها الإدارة الأمريكية في اعتماد حزمة دعم جديدة لكييف في الكونغرس، هو العامل الأكثر أهمية لنجاح أوكرانيا، وفق المركز ذاته.
وفي ظل جمود القتال البري إلى حد كبير في الوقت الحالي، إثر تعقد العمليات العسكرية بسبب الوحل والثلوج والبرد، فإن العمل الرئيسي يتحول إلى سماء أوكرانيا.
في الشتاء الماضي، كما تشير البيانات المجمعة في مؤشر أوكرانيا التابع لمعهد بروكينغز، قصفت روسيا المدن والبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا بوابل من الطائرات بدون طيار والصواريخ (التي قدمت إيران العديد منها) حتى فصل الربيع.
وكانت أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي التي قدمها الحلفاء، فضلاً عن البراعة الأوكرانية والمهارات الارتجالية، بمثابة نظام حماية متعدد الطبقات؛ جيد إلى حد معقول، لحماية كييف وغيرها من المدن الكبرى.
ومع ذلك، فقد وقع الضرر، وفي بعض الأماكن، أدت الضربات الروسية الناجحة على أهداف مدنية مثل محطات القطارات والمقاهي إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين. كما تأثرت البنية التحتية للطاقة والتدفئة في أوكرانيا - وهي الأهداف الرئيسية للهجمات الروسية - بشكل كبير بالضربات، حيث انخفض الإنتاج في كثير من الأحيان بنسبة 50% أو أكثر، بحسب بروكينغز.
وهذا الشتاء، بدأت للتو عمليات القصف الروسية، ما يعني أن الأشهر الأولى في 2024 ستكون كثيفة القصف، وربما تقوم موسكو بتزويد مخزونها من الأسلحة لشن هجمات مكثفة لإغراق الدفاعات وإحداث صدمة نفسية.
وعلى الأرض، تبدو روسيا عازمة على إحراز تقدم في مدينة أفدييفكا شرق أوكرانيا وحول باخموت. فيما لا تزال أوكرانيا تأمل في أن تتمكن من قطع الخطوط الروسية في منطقة زابوريزهيا وربما تهديد "الجسر البري" الذي يربط المواقع الروسية في شبه جزيرة القرم.
ولم يحقق أي منهما أداءً جيدًا في هجماته خلال 2023، سواء برا بالتقدم والسيطرة على مدن كبرى، أو بحرا، حيث يظل البحر الأسود أيضًا منطقة متنازع عليها.
موقف الحلفاء
الأوروبيون، الذين يقدمون أكثر من 50% من المساعدات الغربية لأوكرانيا (أكثر من نصف المساعدات الاقتصادية، وأقل قليلاً من نصف المساعدات العسكرية والعتادية)، يكافحون الآن للحفاظ على دعمهم القوي.
قبل أيام، نجح القادة الأوروبيين في دفع عملية انضمام كييف للتكتل الأوروبي، رغم معارضة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، لكن الأخير نجح في تعطيل تمرير حزمة تمويل إضافية بقيمة 50 مليار يورو (حوالي 54.6 مليار دولار) إلى كييف.
معظم الحكومات الأوروبية، التي تدرك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول لعب لعبة كسب الوقت حتى الانتخابات الأمريكية عام 2024 على الأقل، تعمل على زيادة ميزانياتها الدفاعية ويبدو أنها مصممة على الحفاظ على مساعداتها المالية والعسكرية لكييف. فقد وعدت ألمانيا بمضاعفة مساعداتها من 4 مليارات يورو إلى 8 مليارات يورو رغم أزمة الميزانية الحالية في أكبر اقتصاد أوروبي.
كما تفوق الأوروبيون على الولايات المتحدة هذا العام في إمداد أوكرانيا بأسلحة رئيسية مثل الدبابات والصواريخ الأطول مدى. لكن الحكومة السلوفاكية الشعبوية أعلنت معارضتها لدعم أوكرانيا.
فيما يعارض الحزب اليميني المتشدد الفائز بالانتخابات الهولندية، أيضاً إرسال الأسلحة، لكن هذا قد لا يكون ذا أهمية كبيرة، لأن معظم عمليات نقل الأسلحة تتم من قبل دول فردية وليس ككتلة يتمتع فيها الجميع بحق النقض.
أما في الولايات المتحدة، يكافح الرئيس جو بايدن للفوز بموافقة الكونغرس على طلبه التكميلي بمبلغ 61 مليار دولار لأوكرانيا، في ظل معارضة الجمهوريين في الكونغرس.
السياسة الأوكرانية
وبعد أكثر من 600 يوم من الوحدة والتصميم الرائعين ضد الهجوم الروسي، بدأت الانتقادات الموجهة إلى رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي وحكومته في الظهور. إذ خرجت شائعات عن التوترات بين القيادة السياسية والعسكرية إلى العلن مؤخرًا بعد أن انتقد القائد العسكري فاليري زالوزني الهجوم المضاد المتعثر في مقابلة صحفية.
ويظل رفض الحكومة إجراء انتخابات وطنية في زمن الحرب مصدراً للتوتر الداخلي في البلاد، رغم أن أغلب السياسيين المعارضين يعترفون بأن دستور البلاد لا يسمح بإجراء الانتخابات في أوقات الأحكام العرفية.
علاوة على ذلك، فإن الشكوك حول فعالية الهجوم المضاد، والفساد داخل قيادات الإمداد، وإجراء المزيد من التجنيد تخلق مشكلات تتعلق بالحفاظ على حجم وقوة الجيش الأوكراني.
اقتصاديا، تضررت قدرة البلاد على تصدير الحبوب - التي تعتبر أساسية ليس فقط لاقتصادها بل لإطعام العالم - بشدة بسبب الحرب ونهاية مبادرة حبوب البحر الأسود، التي سمحت للسفن التي تحمل الحبوب الأوكرانية بالسفر بأمان.
ما المتوقع في 2024؟
وفيما يتعلق بتطور الوضع سياسيا وعسكريا في 2024، يرى المراقبون أن العامل الأهم هو قاعات السلطة السياسية في الدول الغربية الرئيسية، إذ ربما تكون أهم ساحات القتال في العام المقبل، إذ أن أي تغير في المواقف في هذه الدول، يعني إضعاف قدرة أوكرانيا على الدفاع.
وقال الرئيس التشيكي بيتر بافيل إنه يتوقع حدوث "تطورات مهمة" في هجوم موسكو واسع النطاق على أوكرانيا العام المقبل، ومن غير المرجح أن تكون هذه التطورات في صالح كييف.
وردا على سؤال حول توقعاته بشأن هذه القضايا للعام المقبل، قال بافيل: "أمامنا الكثير، لأن تطور الصراع في أوكرانيا يظهر أنه من المحتمل جدًا أن نشهد بعض التطورات المهمة في العام المقبل".
وفي تقدير الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك، القائد الأعلى السابق لقوات الحلفاء في أوروبا، فإن «ساحة المعركة ليست جامدة.. ساحة المعركة ديناميكية".
كلارك أوضح أن "اللحظة الحاسمة في هذه الحرب يمكن أن تأتي في أي وقت، إما نتيجة فشل القيادة، أو نقص الدعم اللوجستي، أو التقدم التكنولوجي، أو فشل الإرادة السياسية".
ومن خلال تعزيز التزامهم تجاه أوكرانيا عند نقطة التحول الحاسمة هذه، يستطيع زعماء الغرب أن يساعدوا في ضمان أن هذا الاختراق سيكون في صالح كييف عندما يأتي هذا التحول، سواء في 2024 أو ما بعدها.
فيما يرى مراقبون أن لعبة الوقت تلعب في صالح روسيا، في ظل الضعف الطارئ على الموقف الغربي الداعم لكييف، وتركيز إدارة جو بايدن على ملف إعادة انتخابه في ٢٠٢٤، وافتقاد كييف للذخيرة والأسلحة المتقدمة، ما يعني أن موسكو يمكن أن يكون لها اليد الطولى في العام المقبل.
لكن مقال كتبه ستيفان وولف، أستاذ الأمن الدولي بجامعة برمنجهام، وتيتيانا ماليارينكو، أستاذ العلاقات الدولية، جان مونيه، فإن تطور الأحداث في 2024 أو ما بعدها، قد يسلك طريقا آخر.
وقال الكاتبان: "مثل معظم الحروب الأخرى، من المرجح أن ينتهي العدوان الروسي على أوكرانيا أيضا على طاولة المفاوضات. وحتى لو لم يحدث ذلك في عام 2024، فهذا لا يعني أنه يجب إهمال الجهود الدبلوماسية".
وتابعا: "وفي حين أن القتال ربما لا يزال مكثفا، ولكنه غير حاسم، ففي عام 2024، ستكون الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية والهادئة قادرة على استكشاف معايير التسوية المستقبلية".