الأرض مقابل السلام.. صفقة مرضية لأوكرانيا؟
في دولة تعيش حالة حرب منذ أكثر من عامين ونصف العام، يعارض البعض المحادثات مع روسيا لإنهاء تلك الحرب، بينما يؤيد آخرون بهدف العيش في «أوكرانيا أصغر، لكن دولة أكثر سعادة وأمانا».
فـ«إذا كان لأوكرانيا أن تنهي الحرب في عام 2025 فربما يتعين عليها التضحية بأجزاء من أراضيها»، تقول صحيفة «التلغراف» البريطاني.
وتسيطر روسيا على أجزاء من مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا الشرقية، وطالبت بضمها بالكامل في أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
وفي ظل تراجعها على الجبهة، لا تملك أوكرانيا سوى فرصة ضئيلة لطرد القوات الروسية، ما يعني أن أفضل فرصة لها الوصول إلى اتفاق لإنهاء الحرب، مقابل بعض الأراضي، بحسب الصحيفة البريطانية.
دعم شعبي؟
مثل هذا الحديث يتردد في كافة أنحاء البلاد، فها هو رجل في منتصف العمر يرتدي سترة سوداء واقية من الرياح في شوارع لفوف، يتحدث إلى وسائل إعلام محلية عن آفاق السلام في أوكرانيا، قائلا «أفضل أن أعيش في أوكرانيا أصغر حجما، ولكن في دولة أكثر سعادة وأمانا».
«أسأل نفسي هذا السؤال طول الوقت ولا أستطيع الإجابة عنه»، قال أحد سكان لفيف، وهو يتأمل المعضلة التي يواجهها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الآن، مضيفا «يبدو لي أن هذه الأراضي ابتعدت عنا نفسياً كثيراً لدرجة أنها أصبحت غير أوكرانية (..) ربما كان الأمر كذلك، ربما كانوا ينتظرون عودتنا».
وتعهد دونالد ترامب بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة من تنصيبه الشهر المقبل، فيما صافح يوم السبت زيلينسكي في باريس قبل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، لكن إقناع الرئيس الأوكراني بدفن الخلاف مع فلاديمير بوتين مهمة أكثر تعقيدا إلى حد كبير.
وتشمل أهداف الحرب التي أعلنها بوتين نزع السلاح والنازية من أوكرانيا (بعبارة أخرى.. تجريدها من الجيش وتغيير قيادتها).
ومن بين الأهداف الأخرى الحصول على وضع محايد (حظرها من عضوية حلف شمال الأطلسي) والاعتراف بـ«الحقائق الإقليمية الجديدة».
وفي الشهر الماضي اقترح زيلينسكي لأول مرة أنه سيكون «منفتحا على التنازل مؤقتا عن أجزاء من الشرق مقابل إنهاء المرحلة الساخنة من الحرب».
لكن هذا لا يعني استعداده للتنازل أو الاعتراف بضم روسيا مساحات شاسعة من شرق أوكرانيا، بل إنه تعهد بدلا من ذلك بالسعي إلى استعادة هذه المناطق من خلال الدبلوماسية.
وفي الوقت نفسه، يطالب زيلينسكي بعضوية حلف شمال الأطلسي -أو الحماية تحت «مظلة الناتو»- والدعم العسكري الكافي لضمان عدم قدرة بوتين على انتظار الوقت المناسب قبل شن هجوم آخر.
فهل يمكن سد هذه الفجوة؟
تقول «التلغراف» إنه من الواضح أن سد هذه الفجوة سيستغرق وقتا أطول من يوم واحد، مشيرة إلى أن خطط ترامب -استنادا إلى تصريحاته العلنية وتصريحات الجنرال المتقاعد كيث كيلوج، مبعوثه إلى أوكرانيا- تسير على هذا النحو تقريبا.
ولقد تجمدت الخطوط على طول خط التماس الحالي، ما من شأنه أن يوقف القتال ويمنع روسيا من السيطرة على المزيد من الأراضي، لكنه يمنع أوكرانيا -أيضا- من استعادة الأراضي التي فقدتها.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن عدم حصول أوكرانيا على عضوية حلف شمال الأطلسي يرجع جزئيا إلى «تنازلات» قدمتها روسيا، ولأن أمريكا وألمانيا والعديد من الأعضاء الرئيسيين الآخرين لا يريدون انضمام كييف أيضا.
وبدلاً من ذلك، قد تحصل على قوة حفظ سلام تتألف من قوات من الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (لأن دونالد ترامب لن يرسل قوات أمريكية) بما في ذلك بريطانيا، التي ستتولى دورية في منطقة لا يسيطر عليها أحد وتنفذ وقف إطلاق النار، تقول «التلغراف».
وأيد بوريس جونسون هذه الفكرة في مقابلة مع صحيفة التلغراف الأسبوع الماضي، كما رفضت وزيرة الخارجية الألمانية آنا بايبوكر استبعاد إرسال قوات ألمانية، وتشكل هذه العناصر قوة «رادعة» تعمل على ردع أي هجمات روسية مستقبلية.
وترفض أوكرانيا و(معظم) حلفائها الغربيين الاعتراف رسميا بالسيطرة الروسية على الأراضي التي فقدتها كييف، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، لكن هذا لا يحدث فرقا عمليا كبيرا لأن هدف الاستعادة العسكرية قد تم التخلي عنه.
وقد تحصل أوكرانيا على قوة حفظ سلام مكونة من أعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مثل ألمانيا وبريطانيا بدلاً من قوات أمن حلف شمال الأطلسي.
الجميع مستفيد
من الناحية النظرية، فإن هناك فوائد للجميع هنا، فخسارة أجزاء من الشرق والجنوب ستكون «مريرة بالنسبة لأوكرانيا، ولكنها ستضمن السلام والاستقلال الدائم»، بحسب «التلغراف».
وأشارت إلى أن فلاديمير بوتين سيحصل على «حياد أوكراني، واستيلاء فعلي على الجسر البري إلى شبه جزيرة القرم، ونصر يستطيع أن يسوقه في روسيا»، فيما لا يحتاج إلى اعتراف أوكرانيا والغرب بضمه لكي يتمسك بذلك.
ولا تزال روسيا تتقدم، ويبدو أنها تحاول السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الإضافية قبل بدء المحادثات، وقد استبعد بوتين ومسؤولون آخرون مثل سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي التنازل عن أهدافهم الحربية.
أما بالنسبة لأوكرانيا فإن وقف إطلاق النار دون الضمانات الأمنية اللازمة لتطبيقه سيكون بلا جدوى تقريبا.
ويقول سام جرين، أستاذ السياسة الروسية في كينغز كوليدج لندن: «لا يمكنهم وقف القتال إلا بناءً على ضمانات أمنية من الغرب، لكن الضمانات الأمنية التي قد تنجح ليست مطروحة على الطاولة».
«إن المفاوضات التي تهمنا هي المفاوضات بين أوكرانيا والغرب، وما لم يمنح الغرب أوكرانيا ضمانات أمنية على غرار تلك التي يمنحها حلف شمال الأطلسي، سواء بالعضوية الكاملة بموجب المادة الخامسة، أو ما يقرب منها فلا أرى كيف يمكننا أن نصل إلى هذه النقطة» يضيف جرين.
ماذا عن الناس على الأرض؟
إن بوتين قادر على إقناع عامة الناس والنخبة في روسيا بأي تسوية يودها، لكن بالنسبة لهم فإن الحرب لا تزال تشكل أهمية، إلا أن زيلينسكي -الذي يدير ديمقراطية معروفة بالانقسام- يواجه مهمة أكثر صعوبة، فقد بدأت معدلات تأييده في الانخفاض بالفعل، وأصبح الأوكرانيون المنهكون منقسمين بشأن ما إذا كان ينبغي لهم التفاوض، وما هي التنازلات التي يتعين عليهم قبولها.
وقالت كاتيا، عاملة خيرية مقيمة في كييف «كنت في الخارج للعمل خلال الأسبوعين الماضيين، أعني أنني كنت أنام بشكل صحيح، دون أجهزة إنذار للغارات الجوية، لذلك أعتقد أن أوكرانيا يجب أن تستمر في القتال».
«بينما عندما تكون في أوكرانيا وتصاب بالجنون بسبب الحرمان من النوم والقصف المستمر وانعدام الكهرباء.. أقول اذهبوا إلى الجحيم، من فضلكم أوقفوا الحرب، لذا فإن الأمر يعتمد بشكل كبير على وضعك الشخصي، ما مدى قربك من خط المواجهة، وهل لديك أحباء في الجيش، وما إلى ذلك هناك أمر واحد مؤكد.. الجميع منهكون»، تضيف كاتيا.
فهل يستطيع زيلينسكي سد الفجوة بين الأوكرانيين الراغبين في الحوار وأولئك الذين يريدون مواصلة القتال؟
نعم ولا، كما يقول فولوديمير فيسينكو، مدير مركز أبحاث العلوم السياسية «بنتا» في كييف، مضيفا «تظهر استطلاعات الرأي أن نحو ثلث الأوكرانيين يعارضون المحادثات مع الروس أو تقديم تنازلات لروسيا، ويؤيد نحو ثلثهم إنهاء الحرب، بما في ذلك تقديم تنازلات كبيرة، ويؤيد نحو ثلث آخر المحادثات، لكنهم لا يريدون قبول تنازلات كبيرة».
وأضاف فيسينكو «إن أشد منتقدي زيلينسكي هو بالطبع الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، لكنه يتخذ موقفا خفيا للغاية، فهو ليس ضد المفاوضات، لأنه هو نفسه وقع على اتفاقيات مينسك وهو يعلم جيدا أن المحادثات أمر لا مفر منه».
وتعتقد كاتيا أن زيلينسكي لن يجرؤ على التنازل عن أراضٍ دون ضمانات أمنية «لكن إذا حصل على ضمانات أمنية، فهذه مسألة مختلفة».
ويعتقد فيسينكو، الذي راقب السياسة الأوكرانية لعقود من الزمن، أن التوصل إلى اتفاق لتجميد الحرب دون الاستسلام من شأنه أن يشكل ضربة لهيبة زيلينسكي، ولكن من المرجح أن يقبله الجمهور.
aXA6IDE4LjExOS4xMDYuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز