من الزنازين إلى الجبهات.. هكذا تحول أوكرانيا السجناء لجنود
من السجن إلى الخنادق، تحول مثير في حياة متهمين في أوكرانيا بجرائم، قد تجعلهم يقضون المتبقي من أعمارهم خلف الزنازين المغلقة.
إلا أن أوكرانيا التي تكافح من أجل تجديد صفوفها العسكرية المستنزفة، على وطأة الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، اتجهت إلى تجنيد أولئك المتهمين والدفع بهم إلى خطوط القتال، بعد فترة من التدريب.
وكانت الحكومة الأوكرانية، أصدرت قانونًا جديدًا الشهر الماضي يسمح للأفراد الذين يستوفون شروطًا معينة بالحصول على إفراج مبكر مشروط إذا وقعوا عقدًا للخدمة في الجيش.
أحد هؤلاء، رجل أمضى معظم حياته خلف القضبان، لإدانته بجرائم مختلفة، إلا أنه هرب من السجن ثلاث مرات، وفي فبراير/شباط 2022 حصل على إطلاق سراح مشروط بعد أن قضى 31 عاما خلف الأسوار.
وبعد ساعات فقط من شن روسيا عمليتها العسكرية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، انضم المدان السابق الذي عرفته «سي إن إن» باسم «داتو» إلى الجيش الأوكراني، ليصبح بعد ذلك أحد المسؤولين عن تجنيد المدانين.
«هذه فرصتك لإعادة تأهيل نفسك في عيون أطفالك»، يقول داتو، ذو الـ58 عامًا، والذي يحظى باحترام كبير بين السجناء، في السجن الذي يضم 700 رجل، وقع منهم حوالي 100 سجين بالفعل عقودًا مع وحدات مختلفة.
ولا يسمح القانون الجديد بتجنيد الأشخاص المدانين بارتكاب جرائم ضد أسس الأمن القومي لأوكرانيا، أو جرائم الفساد الخطيرة بشكل خاص، إضافة إلى أن استبعاد أولئك الذين ارتكبوا الجرائم الأكثر عنفًا. ويُمنع الأشخاص المدانون بارتكاب جريمتين أو أكثر من جرائم القتل العمد، أو الجرائم المرتكبة بقسوة، أو جرائم القتل المقترن بالاغتصاب أو العنف الجنسي، من الاشتراك.
ووفقا لوزارة العدل، تقدم 5000 نزيل بطلبات للانضمام إلى الجيش منذ التوقيع على القانون. ويخضع بعضهم بالفعل لتدريب أساسي في ساحة تدريب بوسط أوكرانيا.
وبعد إقرار القانون، قالت وزارة العدل الأوكرانية إن السجناء، الذين يتعين عليهم التوقيع بمحض إرادتهم، سيخدمون في وحدات منفصلة. لكن داتو، الذي يمثل لواء الهجوم المنفصل الثالث، يرغب وزميله دميترو كوخارشوك (قائد كتيبة في الجيش الأوكراني) أن يخدم مجندو السجن مع المشاة النظاميين.
وقال كوخارشوك لشبكة «سي إن إن»، إن الجنود من كتيبته ليس لديهم مشاكل في القتال إلى جانب المدانين، متسائلا: كيف يمكن أن يكون لك موقف خاص تجاه الأشخاص الذين يأتون إليك، والذين سيجلسون معك في نفس الخندق، والذين سيشاركون معك في العمليات ضد الأعداء ويساندونك؟
امتعاض
لكن القادة الآخرين، رغم دعمهم لتجنيد المدانين، ليسوا متأكدين من دمجهم، فأحد القادة قال للشبكة الأمريكية: «يجب على السجناء القتال في وحدات منفصلة (..) إنهم بحاجة إلى أشخاص جيدين جدًا لقيادتهم».
ويقول قائد الاستطلاع المدفعي في اللواء 110 ميكانيكي الذي طلب عدم كشف هويته: أنا لست ضد قتال السجناء على الإطلاق. أنا مندهش أننا لم نستخدم هذه الفكرة في بداية الحرب. هناك دائمًا الكثير من الضحايا بين المشاة، وإذا أراد المدانون (المخاطرة بحياتهم) الذهاب للقتال في المشاة، فهذا قرار جيد.
ويقول وزير العدل الأوكراني دينيس ماليوسكا الذي رفض المقارنة بين حملة تجنيد أوكرانيا ونظيرتها في روسيا، قائلا: في كييف، يعتمد الدافع إلى حد كبير على الوطنية. أسرانا يلتحقون بالجيش طوعا. في روسيا، كان الأمر طوعيا وقسريا. لقد رأيت شخصيًا سجناء (روسًا) أُجبروا على الانضمام إلى فاغنر».
وتابع: هذه خدمة عسكرية حكومية عادية مع جميع الضمانات: الراتب، والتأمين الاجتماعي، والمدفوعات في حالة الإصابة، والوفاة، وما إلى ذلك. هذه قصة مختلفة تماما من حيث الدوافع والآليات.
التخلص من لقب السجين السابق
وسيُسمح للمجندين المدانين بنفس الإجازة العائلية مثل الجنود الآخرين، وسيحق لهم الحصول على نفس الراتب، لكنهم لن يحصلوا على الإجازة السنوية المعتادة للقوات الأخرى، وفقًا للقانون.
ووفقا لوزارة العدل، يوجد حاليا 26 ألف شخص في السجون في أوكرانيا. وتقول الوزارة إنه منذ دخول القانون حيز التنفيذ، تقدم 5000 سجين من الذكور بطلبات للانضمام إلى الجيش. وقد اجتاز ما يقرب من 2000 شخص بالفعل الفحص الطبي وتم إطلاق سراحهم من السجن والتجنيد من قبل المحاكم.
وقال الوزير إنه يتوقع تسجيل المزيد من المدانين، مشيرًا إلى أن الكثيرين ينتظرون رؤية ما سيحدث للجولة الأولى من المجندين، لكن رد الفعل الأولي كان إيجابيا.
ويعتقد ماليوسكا أن العديد من السجناء يعتبرون البرنامج فرصة للتخلص من صفة «السجين السابق» التي تلتصق بالناس حتى بعد إطلاق سراحهم، مضيفًا: «هناك بالتأكيد مخاطر. لكن معنويات ومزاج أولئك الذين أطلق سراحهم من السجن أعلى بكثير من أولئك الذين تم حشدهم في مكان ما في الشارع».
فـ«الشخص المجند قسرياً والذي لا يريد الذهاب إلى الجيش يعتبر ذلك مأساة، وتدهوراً في ظروفه المعيشية. ويمكنك أن تتوقع الفرار من هذه الفئة (من الجنود) أكثر بكثير من الشخص الذي يعد بالنسبة له ارتفاعًا في السلم الاجتماعي والدخل وأسلوب الحياة والاحترام. وبالنسبة للسجناء، فهو صعود في السلم الاجتماعي»، يقول الوزير الأوكراني.
تحديات على الأرض
ورغم تلك المميزات، إلا أن «السجناء قد يشكلون تحديات للقادة على الأرض»، بحسب الوزير الذي استدرك بقوله إنه يمكن تعديل القانون حسب الحاجة اعتمادًا على كيفية ظهور الأمور في الممارسة العملية.
وفي ساحة تدريب بوسط أوكرانيا، دخلت مجموعة من السجناء الأسبوع الثاني من التدريب الأساسي؛ بينهم دميترو البالغ من العمر 28 عاماً، الذي قُتلت زوجته وطفلاه الصغيران في غارة روسية على مدينة إيزيوم الشرقية بعد أسابيع قليلة من العملية العسكرية الروسية، بينما كان يقضي عقوبة السجن لمدة أربعة أعوام ونصف العام.
وقال دميترو، إنه عرف أنه يريد القتال منذ اللحظة التي بدأت فيها الحرب. وعندما زار القائمون على التجنيد سجنه، كان من بين أول من قاموا بالتسجيل.
فـ«كان لدي زوجة وأطفال، وكنت أعلم أنه على أحد أن يحميهم»، يقول السجين السابق، مضيفًا: «لكن بما أنني لم أستطع، سأقوم الآن بحماية العائلات الأخرى التي تريد العيش وإنجاب الأطفال».
ورغم أنه لم يتبق له سوى عام وخمسة أشهر من عقوبته، والتي قد يقضيها في السجن دون الحرب، إلا أنه أعرب عن حماسته للمشاركة، قائلا: «لا أريد أن يمر الآخرون بهذا»، في إشارة إلى فقدان عائلته.
وبالعودة إلى السجن، يختار كوخارشوك وداتو المجندين بعناية، فيسألان المتطوعين عن خلفيتهم ودوافعهم، ولا يقبلان من تزيد أعمارهم عن 50 عامًا أو من يعاني من أي مشاكل صحية خطيرة أو غير لائق بدنيًا، فيما تكون الأفضلية للأيتام.
كوخارشوك قال للشبكة الأمريكية، إن الأيتام الذين عاشوا طفولة صعبة واعتادوا على البقاء والتغلب على الصعوبات يميلون إلى تحقيق نتائج جيدة في الجيش. وبعد كل مقابلة، يتصافح السجناء مع القائمين على التجنيد. يقوم هؤلاء الذين تم اختيارهم بملء الأوراق ثم انتظار المزيد من التعليمات.
aXA6IDE4LjExNy43MC42NCA= جزيرة ام اند امز