أوكران بالملاجئ.. "صفير الصواريخ" يشعل العلاقات الزوجية
يمضي أولكساندر وليودميلا مورينتس، منذ اضطرارهما للاحتماء بملجأ تحت الأرض بشرق أوكرانيا، وقتاً أطول معاً. أكثر من أي وقت مضى.
وقد بدأت بوادر التوتر في العلاقة تظهر بوضوح، داخل الملجأ الذي يحمي العائلة من ويلات الحرب المستمرة منذ فبراير/شباط الماضي.
وسخر أولكسندر (68 عاماً) من ليودميلا (66 عاماً) أخيراً في صبيحة أحد الأيام وهي تحاول شرح كمية المياه المطلوبة لصنع مشروب منزلي، قائلا لها "أنتِ ثرثارة".
لاحقاً، عندما صححت ليودميلا كلام زوجها لدى محاولته القول "شكراً" لزائر أجنبي، قاطعها أولكسندر سائلاً "من المسؤول عن هذا المنزل؟".
وأصبحت هذه المشاحنات أمراً روتينياً بعد 10 أشهر من العيش في الملجأ داخل الطبقة السفلية الضيقة لمبنى سكني في مدينة سيفرسك الواقعة سابقاً على خط المواجهة والتي تعرضت لقصف شديد شوّه معالمها بصورة شبه تامة.
ويقول أولكساندر، الذي كان يصلّح عربات السكك الحديد قبل الحرب، "اعتدنا تمضية وقتنا في العمل، وكنا نلتقي في المساء فقط. والآن نتشاجر أكثر".
ويضيف "أحياناً أقول (اخرسي أيتها المرأة)، لكنها لا تفعل".
هذه العلاقة الزوجية المضطربة ليست حالة معزولة بين الأزواج الرازحين تحت ضغوط الحرب في شرق أوكرانيا.
ففي جميع أنحاء منطقة دونباس في شرقي البلاد، يُجبر مزيج المعارك وصقيع الشتاء، الأزواج على تمضية فترات طويلة سوياً، ما يؤدي إلى توتير بعض العلاقات وتقوية علاقات أخرى.
ويلات الشتاء
وتعرضت سيفرسك، المدينة المنجمية الواقعة وسط الحقول، لهجمات صاروخية متواصلة الصيف الماضي من جانب القوات الروسية، التي بذلت عدة محاولات فاشلة للاستيلاء عليها.
وتمكن الأوكرانيون من دحر هذه القوات، لكنّ المنازل والمدارس والمصانع أصبحت في حالة خراب، وفرّ معظم سكان المدينة الذين كان عددهم يبلغ قبل الحرب 12 ألف نسمة.
وفي الملاجئ الموجودة في الطابق السفلي، مثل ذلك الذي يشغله أولكسندر وليودميلا، يذكّر صوت القصف المستمر من خط المواجهة الواقع حالياً على بعد حوالي 10 كيلومترات إلى الشرق، بأن سيفرسك لا تزال تقع داخل نطاق المدفعية.
إلى ذلك، يجب على الأزواج مواجهة الأعطال في خدمات الاتصالات، ومحدودية الوصول إلى مياه الشرب، وحقيقة أن مصدر التدفئة الوحيد هو موقد الحطب.
وتقول ليودميلا "في الصيف كنا نطبخ في الشارع. كان الأمر مخيفاً دائماً ولكن على الأقل كان بإمكاننا الخروج من المنزل".
مع تدهور ظروف الشتاء، لجأت ليودميلا إلى روايات الخيال العلمي بحثاً عن مساحة للهروب بخيالها من الواقع، وللابتعاد عن الخلافات مع زوجها.
وتقول وهي تشير إلى الطابق العلوي "من الجيد أن تكون شقتنا قريبة"، إذ "يمكنني بسهولة أن أذهب وأخذ كتاباً آخر".
"أحمي زوجتي"
وللزوجين أولكسندر وتامارا سيرينكو طريقة أخرى للتخلص من التوتر، تتمثل في تقطيع الحطب وتكديسه، لأنهما سيحتاجان إلى كمية كبيرة منه.
إلا أنّ الأشهر الثمانية التي أمضياها معاً في ملجأ تحت الأرض، قد أثّرت عليها.
ويقول أولكسندر "في البداية، كان تواجدنا باستمرار معاً أمراً صعباً. وكما يُقال إذا تناولت عصيدة الشوفان يومياً، سترغب بالحساء في غضون أيام قليلة".
ويضيف ضاحكاً ومشيراً إلى سريريهما المنفصلين إنّ "الوقت الذي نمضيه في الملجأ لا يقرّبنا من بعضنا البعض".
ويتابع إنّ "سريرينا موضوعان كما كانا في السابق".
وبنبرة تنطوي على جدية أكبر، يلفت إلى أنّ الحياة ستكون قاتمة جداً من دون تمارا.
ويقول "هناك على الأقل شخص ما برفقتي في الملجأ حتى لو كانت تتذمر دائماً، وإلّا كنت سأجلس كالأصم والأبكم".
ويفخر بتوفيره رعاية لزوجته المصابة بداء السكري والتي تعاني تورماً في ساقها وتحتاج يومياً إلى العناية بها.
ويوضح "أحمي زوجتي حتى لا تشعر كثيراً بأسى الحرب والقلق الناجم عنها".
ويضيف "هي تدرك أنني شخص يمزح كثيراً، فأنا أمزح مع الجميع بغض النظر عن الظروف القائمة. وأسعى إلى ألا يكون مزاجها معكّراً".
وتومئ تمارا برأسها قائلة "لم أستطع التعامل مع الوضع بمفردي".
ويعترف كلاهما أنّه بغض النظر عن المناكفات بينهما، هما أكثر حظاً من الذين فقدوا شركاء حياتهم في الحرب.
بدورها، تمضي إيرينا بافلوفا (56 عاماً) عطلة نهاية الأسبوع وهي تتجوّل في مختلف أنحاء المدينة، محاولةً الحصول على شهادة وفاة لزوجها فيكتور.
وقُتل زوجها عقب هجوم بالقنابل العنقودية على سيفرسك في يوليو/تموز، بعد أن فرت إلى ملجأ في غرب أوكرانيا لا تزال تقيم فيه حتى اليوم.
وتقول لوكالة لـ"فرانس برس"، إنّ "الوضع صعب جداً عليّ"، وتتطرق باكيةً إلى أول زيارة قامت بها لمنزلهما منذ مقتله.
وتضيف "يعلم أنني هنا. أوّد البقاء قريبة منه".