أزمة أوكرانيا والحرب الكورية.. ما أوجه الشبه والاختلاف؟
رغم اختلاف طبيعة نشأتهما وحجمهما، تتشابه الحرب الروسية الأوكرانية مع الحرب الكورية في تأثير كلاهما على النظام الدولي.
رغم اختلاف طبيعة نشأتهما وحجمهما، تتشابه الحرب الروسية الأوكرانية مع الحرب الكورية.
ووفق مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، يعتبر كلا الصراعين حروبا إقليمية ذات تداعيات عالمية، والتي تبشر وتسرع وترسخ الانتقال إلى نظام عالمي ثنائي القطب جديد.
وبحسب التحليل الذي أعده جو إنجي بيكيفولد، الزميل الأقدم بالمعهد النرويجي للدراسات الدفاعية، فإن أوجه التشابه وبعض الاختلافات الرئيسية، تقدم دروسا مهما للمستقبل.
عندما بدأت الحرب الكورية عام 1950، كان النظام الدولي قد بدأ للتو الاستقرار في هيكل قوة ثنائي القطب، والذي كانت فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي القوتين المهيمنتين. وكانت الحرب الباردة لاتزال في مرحلة مبكرة وخطرة، وليس الحرب الباردة الثابتة للغاية من فترة السبعينيات والثمانينيات التي لايزال الناس يتذكرونها.
واليوم، وبينما تستعر الحرب بأوكرانيا، أصبح النظام الدولي مجددًا في خضم انتقال غير مستقر إلى هيكل قوة ثنائي القطب جديد، لكن هذه المرة مع الولايات المتحدة والصين كمتنافسين وخصمين شبه أنداد لبعضهما البعض.
وكان للحرب الباردة تأثير دائم على التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بفترة الحرب الباردة، كما شكلت العديد من قواعد الحرب الباردة. واليوم، يتضح بالفعل أن الحرب في أوكرانيا تكوِّن بقوة الحقبة الجديدة من التنافس الصيني الأمريكي، حتى إذا كان الخصم الرئيسي في هذا هو موسكو، وليس بكين.
وعبرت قوات كوريا الشمالية الحدود إلى كوريا الجنوبية في يونيو/حزيران عام 1950، ولم تحسم السنوات الثلاث التي أعقبت ذلك مصير الأمة الكورية التي ستصبح مقسمة لعقود فحسب، بل كان لها تداعيات طويلة الأمد على النظام العالمي.
وكانت مؤشرات التغيير موجودة لبعض الوقت بالفعل، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني، وينستون تشرشل، في 1946 أن "ستارا حديديا" انسدل بشتى أنحاء القارة، وذلك بعد سيطرة الحزب الشيوعي الصيني في 1949، ثم سفر الزعيم الصيني آنذاك ماو زيدونغ إلى موسكو لتوقيع معاهدة صداقة مع نظيره السوفيتي جوزيف ستالين.
ومع ذلك، ساهمت الحرب الكورية بقوة في تحريك السياسة العالمية نحو الانقسام بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولعبت الحرب دورًا رئيسيا في تكثيف الحرب الباردة على نطاق عالمي، كما عززت حلف شمال الأطلسي (الناتو) كتحالف.
وطبقًا للتحليل المنشور بـ"فورين بوليسي"، تبشر الحرب في أوكرانيا ببداية عملية إعادة تنظيم جيوسياسي مماثلة أخرى.
فخلال الثلاثة إلى أربعة أعوام الماضية، أثار صعود الصين نقاشا صريحا بشأن ما إذا كان التنافس الصيني الأمريكي سيتحول إلى حرب باردة جديدة، تسعى فيها الولايات المتحدة لاحتواء الصين.
وكانت جميع الدلائل تشير بالفعل إلى عودة هيكل القوة ثنائي القطب في النظام الدولي. وبالرغم من ذلك، تعمل الحرب في أوكرانيا على تسريع وتدعيم الانقسام الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والمحور الصيني الصيني على الجانب الآخر، مثلما فعلت الحرب الكورية في الحرب الباردة الأصلية.
وأوضح التحليل أن الحرب في أوكرانيا تزيد اعتماد روسيا على الصين، لافتا إلى أن الشراكة الصينية الروسية تحسنت بثبات خلال العقد الماضي، بما في ذلك من خلال توسيع التعاون الاقتصادي، وتشكيل شراكة اقتصادية، وإجراء تدريبات عسكرية، وحضور اجتماعات دورية رفيعة المستوى، حتى أنه كان هناك ازدهار في السياحة.
وتعتبر الصين الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى روسيا، وتستورد الصين الآن النفط الخام من روسيا أكثر من أي دولة أخرى، وهناك توقعات بزيادة شحنات الغاز الطبيعي بسرعة عن طريق الأنابيب التي تم إنشاؤها حديثا.
وبحسب "فورين بوليسي"، تمثل الروابط القوية بين بكين وموسكو مصدر قلق يتنامى في واشنطن والعواصم الأوروبية، لكن مع انعزال روسيا إلى حد كبير عن الغرب الآن، تعزز الحرب في أوكرانيا نفوذ الصين على روسيا.
كما تعزز الحرب في أوكرانيا وجهة النظر الأوروبية المتشددة بشأن الصين "كتهديد أمني محتمل"، وقد احتلت القضايا الأمنية عادة دورًا ثانويا جدا في نظرة أوروبا إلى الصين، لكن بدأ هذا يتغير مؤخرًا.
ووضعت الدول الأوروبية قيودا جديدة على تعاملاتهم الاقتصادية مع الصين، والعام الماضي قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج إن "الصين تقترب منا"، و"قد عزز دعم الصين غير المباشر للحرب الروسية على أوكرانيا هذا الرأي في العديد من العواصم الأوروبية: وفق المصدر ذاته.
وتحديدا، تسبب الإعلان الصيني الروسي عن شراكة غير محدود قبل 20 يوما من شن موسكو لحربها في إثارة القلق بأوروبا.
كما تزيد الحرب في أوكرانيا من حدة الانقسام الاقتصادي الصيني الأمريكي، وستسرع جهود الحد من الترابط بينهما. ففي التنافس ثنائي القطب، ستنظر القوتان العظميان المهيمنتان إلى الترابط الاقتصادي على أنه يجعلهما عرضة مهددين بشكل متبادل.
ولهذا السبب، وعلى مدار الثلاث إلى أربع أعوام الماضية، اتخذت الولايات المتحدة والصين خطوات أولى متواضعة لفك الروابط الاقتصادية الوثيقة.
وفي بكين، أدت الاستجابة الغربية السريعة والقوية بفرض عقوبات على الاقتصاد الروسي إلى تصعيد المخاوف الصينية بشأن اعتمادها على التكنولوجيا والأسواق الغربية، مما دفع الصين لزيادة اكتفائها الذاتي. وبالمثل، لا يعتبر اعتماد أوروبا على روسيا في أمن طاقتها مثالًا تود واشنطن تكراره في علاقتها مع بكين.
وبحسب التحليل، أعطت الحرب في أوكرانيا الناتو ومجتمع عبر الأطلسي شعورًا متجددا بالوحدة؛ فبعد سنوات من المخاوف المتزايد في أوروبا والولايات المتحدة بشأن الخلاف المتزايد بين الاثنين، عكست الحرب الروسية على أوكرانيا هذا الاتجاه.
وتعمل الولايات المتحدة الآن على زيادة وجودها العسكري في أوروبا بينما يعمل أعضاء الناتو الأوروبيون على زيادة نفقاتهم الدفاعية، وأخيرًا تستجيب أوروبا للدعوات المتكررة من سلسلة طويلة من الرؤساء الأمريكيين من أجل تقاسم أكثر توازنا للأعباء داخل الحلف.
aXA6IDE4LjIxNy4xMC4yMDAg جزيرة ام اند امز