أوكرانيا و"كوكتيل" كينيدي السحري.. يمكن إنقاذ العالم
وصفة سحرية تستدعيها الأزمة الأوكرانية التي يعاني تداعياتها العالم يطلق عليها خبراء "كوكتيل" كينيدي السحري استخدمه الرئيس الأمريكي كحل لإحدى أخطر أزمات القرن الماضي.
قبل ستين عاما، وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 1962، كان أحلك يوم فيما يتفق المؤرخون على أنه أخطر أزمة في التاريخ المسجل. وحال وقعت الحرب، كان ليعني ذلك الموت الفوري لمئات ملايين الأرواح.
في اليوم الثاني عشر من الأزمة التي استمرت 13 يوما، وجدت الولايات المتحدة نفسها بنهاية الطريق الذي اختارته. وقبلها بأسبوعين، عندما اكتشفت الاستخبارات الأمريكية أن الاتحاد السوفياتي يحاول وضع صواريخ نووية ومتوسطة المدى على بعد 90 ميلا قبالة الشاطئ الأمريكي بجزيرة كوبا، رد الرئيس الأمريكي جون كينيدي بفرض "حجر" بحري على الجزيرة، بحسب مقال كتبه عالم السياسة والكاتب الأمريكي جراهام أليسون ونشرته مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية.
وفي حين نجح ذلك في منع مزيد من شحنات الأسلحة أو الرؤوس النووية إلى كوبا، لم تفلح في منع السوفيات من نقل الصواريخ الموجودة على الجزيرة بالفعل إلى نقطة ستتمكن من خلالها من إطلاق الرؤوس الحربية النووية على المدن الأمريكية.
وعند مفترق الطرق الأخير ذاك، كانت القاعدة النووية الهجومية الاستراتيجية السوفياتية في كوبا لتصبح أمرا واقعا، ما لم يتم إقناع نيكيتا خروتشوف بطريقة ما بتغيير المسار وسحب الصواريخ، أو شن الولايات المتحدة غارات جوية لتدمير الأسلحة فورا.
وبدأ 27 أكتوبر/تشرين الأول بتوصية بالإجماع من هيئة الأركان المشتركة تفيد بأن يأمر كينيدي في الحال بضربة جوية على الصواريخ للتأكد من عدم مهاجمتها الولايات المتحدة.
بعد ذلك بفترة قصيرة، أفاد موجز استخباراتي بأن طائرة تجسس من طراز U-2 انحرفت عن مسارها وموجودة فوق الأراضي السوفياتية فيما قد يعتقد خروتشوف بأنها معلومات استهداف في اللحظة الأخيرة قبل ضربة أمريكية أولى.
ولاحقا في ذاك اليوم، أفادت الاستخبارات الأمريكية بأن طائرة U-2 ثانية كانت تحلق فوق كوبا وتلتقط صورًا للسماح لمخططي الحرب بمتابعة التقدم بالأهداف المحتملة هناك، وأسقطها صاروخ سوفياتي على الجزيرة. وجرى تشغيل الدفاعات الجوية السوفياتية، وكان خروتشوف مستعدا لاستخدامها، وأطلق بالفعل الطلقة الأولى.
وخلال الساعات التالية، استكشف كينيدي وزملاؤه عدة خيارات. وفي كل حالة، بدا أن عيوب كل خيار تتجاوز المميزات. وبمرور الوقت، تزايدت مشاعر الإحباط والارتباك وحتى الغضب بين المجموعة.
وفي نهاية اجتماع الظهيرة، اقترح كينيدي أن يحصل الجميع على استراحة، ويذهبون لتناول العشاء، ويحاولون تصفية أذهانهم، وإعادة التجمع في وقت لاحق ذاك المساء من أجل جلسة أخيرة.
وخلال تلك الاستراحة، ابتكر كينيدي "كوكتيلا سحريا" يظل إحدى أكثر المبادرات استثنائية في سجل الدبلوماسية.
كوكتيل كينيدي السحري
"الكوكتيل" كان يتألف من صفقة عامة وبنودها عي:
-سحب الصواريخ السوفياتية في كوبا مقابل تعهّد أمريكي بعدم غزو الجزيرة في المستقبل.
-إنذار سري (كان سيتعين على خروتشوف أن يعلن في غضون 24 ساعة أنه سيسحب الصواريخ وإلا ستقدم الولايات المتحدة على تصرف أحادي لحل المشكلة).
- تحلية سرية للغاية (إذا تم سحب الصواريخ، بعد ستة أشهر ستختفي صواريخ جوبيتر الأمريكية في تركيا التي رأى خروتشوف أنها تكافئ تقريبا الصواريخ التي كان يضعها في كوبا).
ومن المفارقة، وفي نفس الوقت تقريبا الذي كان روبرت كينيدي يبلغ فيه السفير السوفياتي في واشنطن بمقترح الرئيس كينيدي، قرر خروتشوف في موسكو سحب الصواريخ السوفياتية من كوبا بدون أي تنازلات بشأن الصواريخ الأمريكية في تركيا (جوبيتر).
وبينما يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفع الرهانات في حربه على أوكرانيا، بما في ذلك ضم أربع مناطق من أوكرانيا وإعلان استخدام روسيا لترسانتها النووية إذا تطلب الأمر للدفاع عن تلك الأراضي مع باقي روسيا، شعر الكثيرون بأصداء تلك الأحداث قبل ستة عقود.
وكما أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا "للمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ الكوبية، هناك تهديد مباشر باستخدام الأسلحة النووية، إذا استمرت الأوضاع على المسار الذي سلكته".
ولذلك، بحسب جراهام أليسون، ليس من المفاجئ أن يجد أعضاء فريق الأمن القومي التابع لبايدن بالإضافة إلى المراقبين الخارجين أنفسهم يتساءلون عما كان جون كينيدي ليفعله؟ مشيرًا إلى أن أوكرانيا، كما هو واضح، ليست كوبا، وبوتين ليس خروتشوف، و2022 بعيدة كل البعد عن 1962.
واعتبر أليسون أن حنكة كينيدي السياسية في أزمة الصواريخ تقدم مصادر ثرية للمقاتيح التي يمكنها المساعدة في توضيح التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة الآن، والخيارات التي يتخذها بايدن.
ورأى أليسون في مقاله أن هناك أشياء يجب فعلها وأخرى يتعين تجنبها، تتمثل في:
أولا، يجب إدراك الحقائق الهيكلية للظروف التي تحدث بها المواجهة. ووفقا للسطر المفضل لرونالد ريجان: "لا يمكن الفوز بحرب نووية، ولا يجب خوضها أبدا"، ففي مواجهة خصم نووي لديه ترسانة قوية، حتى عندما يتمكن المهاجم من تدمير عدوه تماما، لا يمكنه منع رد انتقامي من شأنه أن يدمر مجتمعه تماما.
في نهاية الحرب النووية، إذا تدمرت بلد المهاجم، كما قال ريجان عدة مرات، "لا يمكن لأحد وصف ذلك بالنصر".
ثانيا، يجب إظهار القوة والعزيمة الأمريكية؛ ويبدأ إظهار القوة بالكلمات، لكن الأهم من ذلك، أنها تتطلب أفعالا.
في عام 1962، كانت الولايات المتحدة تتمتع بأفضلية ذات مغزى على الاتحاد السوفياتي في الأسلحة النووية الاستراتيجية، وهي حقيقة وضحها كينيدي بإعلانه في البداية أنه يأمر بوضع القوات الأمريكية في حالة التأهب ديفكون 2 (أعلى مستوى تأهب قبل الحرب).
وعلاوة على ذلك، فإن الحصار البحري الأمريكي والاستعدادات الواضحة لضربة جوية شاملة يتبعها غزو أبرزت التفوق الأمريكي على أعتابها إذا بدأت الحرب في كوبا.
ثالثا، يجب تحديد المصالح الحيوية الأمريكية بوضوح والتركيز على الأهداف الأساسية لمواجهة التحديات. وبالنسبة لكينيدي، عنى ذلك إخراج الصواريخ من كوبا لكن صراحة لم يشمل الإطاحة بفيدال كاسترو أو القضاء على الدولة العميلة للسوفيات في نصف الكرة الغربي.
أما بالنسبة للمحظورات، فبدأ أليسون بالتأكيد على ضرورة عدم استخدام الأسلحة النووية، حيث إن أي استخدام لتلك الأسلحة سيدفع الطرفين لحرب نووية شاملة قد تعني دمار الولايات المتحدة.
كما شدد على ضرورة عدم شن أي هجوم عسكري تقليدي من شأنه أن يقتل المئات من القوات المعادية، حيث سيرقى ذلك أيضًا إلى عمل تصعيدي قد يؤدي خلال فترة قصيرة إلى استخدام الأسلحة النووية وحرب نووية محتملة.
واختتم أليسون مقاله بالقول، إن الضرورة الملحة تتطلب خيالا استراتيجيا. ففي أزمة الصواريخ، تضمن ذلك مزيجا سحريا من المكونات العامة والخاصة والسرية للغاية. ومن وجهة نظر كينيدي، كان هذا هو الدرس الوحيد الأكثر أهمية لخلفائه من أزمة الصواريخ الكوبية.
وكما قال خلال خطاب بالجامعة الأمريكية قبل اغتياله بخمسة أشهر: "قبل كل شيء، وفي أثناء الدفاع عن مصالحنا الحيوية، يجب على القوى النووية تجنب المواجهات التي تجبر الخصم على الاختيار ما بين انسحاب مهين وحرب نووية".
aXA6IDMuMTUuMTIuOTUg
جزيرة ام اند امز