كيف كانت حربا أوكرانيا وغزة دليلا على نهاية النظام القائم على القواعد؟
بينما تحل اليوم الذكرى السنوية الثانية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي «صدمت» أوروبا وتسببت في «عزلة» موسكو، كانت حرب غزة، بمثابة تكرار لذلك السيناريو، إلا أن الولايات المتحدة من وجدت نفسها في خانة العزلة الدولية.
حربان كان الفاصل الزمني بينهما أعواماً قليلة، إلا أنهما كشفا عن «فشل ذريع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وضع حد لهما، خاصة بعد أن أدى استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة وروسيا بشكل منفصل إلى إحباط العمل الدولي الجماعي»، بحسب صحيفة «واشنطن بوست».
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الواقع الناشئ أظهر «أننا نعيش في عالم انتقائي على نحو متزايد، يتسم بتراجع نفوذ الولايات المتحدة، وتحول التحالفات، والتآكل المستمر للقانون الدولي والمبادئ العالمية التي يقوم عليها».
فكيف كانت حرب أوكرانيا دليلا على نهاية «النظام القائم على القواعد»؟
تقول الصحيفة الأمريكية، إن الصراع الذي أعقب ذلك، دمر مساحات واسعة من الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية، وأدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين من سكان أوكرانيا واضطراب السياسة العالمية، وعزل روسيا جيوسياسيًا عن الغرب.
فبالنسبة للعديد من الزعماء الأوروبيين والمسؤولين الأمريكيين، فإن قيمة دعم أوكرانيا لا تقدر بثمن. ويجادلون بأن الديمقراطية الوليدة لا ينبغي القضاء عليها من قبل روسيا، ولا ينبغي السماح لموسكو بإعادة كتابة قواعد الطريق وتجاهل حقوق أوكرانيا كدولة ذات سيادة، وإعادة رسم الحدود، والاستهزاء بالقانون الدولي.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قال بعد شهر من العملية العسكرية الروسية، إن الحرب في أوكرانيا هي «معركة بين الديمقراطية والاستبداد، بين نظام قائم على القواعد ونظام تحكمه القوة الغاشمة».
هذا الخطاب لم يتلاشَ بعد عامين تقريبا، حيث يناصر زعماء أوكرانيا وأنصارها مدينة كييف؛ باعتبارها «حصنا للعالم الحر ضد التهديد الذي لا يعرف حدودا».
فعلى هامش مؤتمر ميونخ الذي التأم قبل أيام، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه: «إذا تُركت أوكرانيا بمفردها، فسوف تدمرنا روسيا»، محذرًا من أنه «لا يوجد أحد في أوروبا لا تشكل الحرب المستمرة تهديدًا له».
لكن هذه التحذيرات بدأت جوفاء بعض الشيء؛ فلقد أصبح الإرهاق في أوكرانيا حقيقة واقعة، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث عرقل المشرعون الجمهوريون التمويل الجديد لجهود الحرب في كييف، إضافة إلى تعثر الحرب على جبهة لم تتغير إلا بالكاد خلال العام الماضي.
ماذا عن غزة؟
كانت هذه وجهة نظر كثيرين خارج الغرب في أعقاب العملية العسكرية الروسية، وقد تعمقت هذه الرؤية مع اندلاع الحرب الموازية في غزة؛ فالعديد من المراقبين يرون الحملة العسكرية الإسرائيلية التي أعقبت هجوم حركة حماس، كانت بمثابة تذكير بالمعايير المزدوجة التي طال أمدها على الساحة العالمية.
وتقول «واشنطن بوست»، إن إسرائيل، التي أصيبت بصدمة نفسية بسبب هجوم حماس، دمرت قسماً كبيراً من غزة، وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين، وأثارت أزمة إنسانية قد تزداد سوءاً.
وتحذر وكالات الأمم المتحدة وعمال الإغاثة من أن تصاعد الأمراض وسوء التغذية قد يودي بحياة عشرات الآلاف من سكان غزة في الأشهر المقبلة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وجد نفسه محاصرًا من الشكاوى في اجتماعات قمة العشرين في ريو دي جانيرو، من نظرائه بشأن استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد دعوات في مجلس الأمن تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وأشارت إلى أن العزلة الأمريكية كانت على النقيض من قمة مجموعة العشرين التي عقدت العام الماضي في الهند، حيث حصلت إدارة بايدن على إدانة واسعة النطاق للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن واشنطن وجدت نفسها -آنذاك- بين «جمهور أكثر تقبلاً عندما استشهدت بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ السيادة لانتقاد استيلاء موسكو على الأراضي، لكن في البرازيل، استشهد الدبلوماسيون بنفس المبادئ لانتقاد الحرب المستمرة في غزة، حيث قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل غطاءً سياسيًا وقنابل ومعدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات».
ويقول مدير مجموعة الأزمات الدولية التابعة للأمم المتحدة ريتشارد جوان، إن «حقيقة أن الولايات المتحدة تستخدم حق النقض بشكل متكرر في المجلس تجعل من الصعب انتقاد استخدام روسيا للحق نفسه».
وأشار إلى أنه بينما تزعم الولايات المتحدة أن المجلس لا بد أن يتجنب التصويت على غزة إلى أن يجد الإجماع، فإن الولايات المتحدة لم تشعر قط بأي تأنيب ضمير إزاء إرغام روسيا على استخدام حق النقض بشأن أوكرانيا.
انهيار النظام المبني على القواعد
وأضاف جوان أن الروس يشعرون بوجود فرصة واضحة للإشارة إلى «نفاق الولايات المتحدة»، مشيرًا إلى أن «النظام القائم على القواعد، يعد مفهوما عزيزا على الزعماء الغربيين، وخاصة بايدن، ويستشهدون به باستمرار عندما يحددون مواقفهم بشأن الشؤون العالمية».
وبحسب مدير مجموعة الأزمات الدولية، فإنه بينما ترى القوى الغربية أن وقوفها إلى جانب أوكرانيا بمثابة دفاع عن «النظام القائم على القواعد»، فإنه «في ظل الكارثة المستمرة في غزة، من السهل أيضاً أن نرى انهيار هذا النظام».
وقال كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي يوم الخميس، إن «القوانين والمبادئ التي نعتمد عليها بشكل جماعي لتمكين المساعدة الإنسانية تآكلت الآن إلى حد أنها أصبحت بلا معنى (..) إسرائيل تشن عقابًا جماعيًا، حربًا بلا قواعد، حربًا بأي ثمن، على حساب سكان غزة كافة».
وكانت لانا زكي نسيبة، سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، قالت في أثناء تقديم عرض دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية: «القانون الدولي لا يمكن أن يكون قائمة انتقائية (..) يجب أن ينطبق على الجميع بالتساوي».
«لكن الواقع الناشئ هو أننا نعيش في عالم انتقائي، على نحو متزايد يتسم بتراجع نفوذ الولايات المتحدة، وتحول التحالفات، والتآكل المستمر للقانون الدولي والمبادئ العالمية التي يقوم عليها»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وكتبت أنييس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في مقالة نشرتها مجلة «فورين أفيرز»: «إن خطر الإبادة الجماعية، وخطورة الانتهاكات المرتكبة، والمبررات الواهية التي يقدمها المسؤولون المنتخبون في الديمقراطيات الغربية، تنذر بتغيير العصور. إن النظام القائم على القواعد الذي حكم الشؤون الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في طريقه إلى الزوال، وربما لا تكون هناك عودة إلى الوراء».
aXA6IDMuMTQ0LjExNC44IA== جزيرة ام اند امز