الوقت واللوجستيات ضد أوكرانيا.. سلام يخبو وأسلحة تعاني النزع الأخير
وسط إعلاء صوت البنادق سبيلا لحل أزمة أوكرانيا وخفوت الدبلوماسية والحوار، كان الميدان سلاح طرفي "الحرب"، لإثبات قدرتهما، وفاعلية أسلحتهما، وتلك التي يحصلان عليها من أطراف ثالثة.
أسلحة غذى بها الغرب شرايين أوكرانيا، فانتعشت أوصالها قليلا، إلا أن هجومها المضاد بات مهددًا بوقف تدفق ذلك المورد "الهام" وذراعه الوحيدة، لوقف المد الروسي.
فلماذا بات مهددًا؟
تقول صحيفة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن الخطاب الحالي حول الصراع الأوكراني يركز على مآثر البطولة أو عدالة القضية وبدرجة أقل على المسائل العملية المتعلقة بالذخائر، وقدرات الإنتاج، وقضايا القوى العاملة بشكل عام.
إلا أن عناصر ثلاثة تُعد هي العملة المستخدمة في ذلك الصراع، ممثلة في الذخائر والأسلحة والقوى البشرية، والتي نفدت لقوى الكتلة الغربية؛ ففقد قصفت الطائرات بدون طيار والمدفعية والضربات الجوية الروسية القاعدة الصناعية في أوكرانيا، مما كبد الغرب تكلفة اقتصادية فلكية، تقول الصحيفة الأمريكية.
وكان الكونغرس وافق على ما يقدر بنحو 113 مليار دولار كمساعدات دفاعية ومالية لأوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، أي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي السنوي لأوكرانيا.
تلك "الحقيقة" باتت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يدركانها بشكل مؤلم كل يوم، مع استنفاد مستودعات الأسلحة الغربية على نحو متزايد، وعدم وجود قدرة صناعية قائمة لتجديد المخزونات، إضافة إلى الاستمرار في تسليح أوكرانيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وتقول "ذا ناشيونال إنترست"، إن إحدى السمات المميزة "للحرب" الحالية هي الاعتماد الساحق على وابل المدفعية واحتياطيات المشاة الضخمة، إلا أن الغرب كان غير مستعد، فشن حرب استنزاف بالوكالة في ظل عدم وجود قاعدة صناعية للقيام بذلك.
لقد نفدت الأسلحة
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترف علناً بأن الجيش يرسل ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا؛ لأنه لا يستطيع توفير كمية قذائف المدفعية التي تحتاجها أوكرانيا.
وأشارت تسريبات البنتاغون في وقت سابق من هذا العام إلى أن الولايات المتحدة ضغطت على كوريا الجنوبية لإرسال 330 ألف قذيفة 155 ملم إلى أوكرانيا، عبر بولندا على الأرجح، فيما تفيد تقارير بأن هناك تقارير تفيد بأن كوريا الجنوبية أقرضت الولايات المتحدة نصف مليون قذيفة 155 ملم.
لكن حتى لو أرسلت كوريا الجنوبية مليون قذيفة إلى أوكرانيا، فإن ذلك لن يعوض الخلل الهائل في ميزان المدفعية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هذا الافتقار إلى التوازن ليس سوى عَرَض لقضية أكثر أهمية: عدم قدرة الغرب على التحول إلى اقتصاد الحرب.
ويقدر تقرير حديث صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) أن روسيا أطلقت 12 مليون قذيفة مدفعية في عام 2022، متوقعًا إطلاق الجيش الروسي، سبعة ملايين قذيفة مدفعية في عام 2023، ما يشير إلى أن مخزونات الحقبة السوفييتية آخذة في التضاؤل.
إلا أنه رغم ذلك، فإن التقرير يشير إلى أن روسيا تنتج 2.5 مليون قذيفة سنوياً، بالإضافة إلى واردات الذخائر من كوريا الشمالية وإيران، في تناقض صارخ مع أمريكا، التي قال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في يناير/كانون الثاني الماضي، أن الولايات المتحدة لا يمكنها إنتاج سوى 93 ألف قذيفة 155 ملم سنوياً، تذهب جميعها إلى التدريبات.
وبحسب التقرير، فإنه إذا نجح الجيش في تحقيق جدول إنتاج متسارع، فسوف ينتج 240 ألف قذيفة سنويا، أي أقل من 10% من الإنتاج الحالي لروسيا، ستطلق منها المدفعية الأوكرانية 8000 طلقة يوميًا، مما يستهلك شهرًا كاملاً من إنتاج الذخائر الأمريكي الحالي.
وحتى لو حقق البنتاغون هدفه المعلن المتمثل في تصنيع 90 ألف قذيفة شهريًا بحلول السنة المالية 2025، فإنه لا يزال يمثل نصف مستوى الإنتاج الحالي لروسيا فقط.
أما الدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي فهي في وضع أسوأ؛ ففي يونيو/حزيران الماضي، اكتشف الجيش الألماني أنه لم يتبق في ترسانته بأكملها سوى 20 ألف قذيفة عيار 155 ملم. ولا تستطيع المملكة المتحدة إنتاج براميل مدافع من العيار الثقيل للدبابات والمدفعية.
وكانت كميات هائلة من المعدات التي أرسلها حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا عبارة عن خردة سيئة الصيانة، مما يثير التساؤلات حول جودة الترسانات التي تركها "الناتو" وراءه. وفي الوقت نفسه، تم تدمير ما لا يقل عن 20% من معدات الخطوط الأمامية التي جمعها الغرب معًا للهجوم المضاد الأوكراني في الأسبوع الأول وحده.
حقائق صعبة
وتقول "ذا ناشيونال إنترست"، إن الرأي العام الغربي ليس على دراية كافية بطبيعة الصراع في أوكرانيا، مشيرة إلى أن التحليل العاطفي يطغى على مناقشة الوضع الاستراتيجي الأوسع؛ فقد تبدو عبارة "لا شيء فوق قدرتنا" جيدة، لكن باعتبارها استراتيجية حربية دون تنفيذ.
وحذرت الصحيفة الأمريكية، من أن الحقائق على الأرض لن تسمح للولايات المتحدة بالسعي لتحقيق أي هدف دون أن تتحمل هي أو حلفاؤها تكاليف باهظة.
فرص تتضاءل
وأشارت إلى أن فرصة التوصل إلى تسوية مواتية لأوكرانيا تتضاءل بسبب التأخر في التسلح وتعبئة القوى العاملة، مؤكدة أن مساعدات أوكرانيا وصلت إلى ذروتها، ولن يكون لها مثيل في الأشهر والسنوات اللاحقة.
فـ"فرصة التوصل إلى سلام عن طريق التفاوض أو حتى وقف إطلاق النار بشروط مواتية لأوكرانيا ستصبح أقل احتمالا مع تنامي تفوق روسيا في ساحة المعركة"، تقول الصحيفة الأمريكية، مؤكدة أنه رغم أن استراتيجية فرض الضغوط على نظام الرئيس فلاديمير بوتن إلى درجة الانهيار الداخلي ربما كانت ذات مصداقية في المراحل الأولى من الحرب، إلا أن الأدلة ضئيلة على نجاحها الآن.
وحذرت من أنه إذا استمرت الأحداث على ما هي عليه فمن المرجح أن يتدهور موقف أوكرانيا، مشيرة إلى أن الاختلالات الهيكلية التي تسود الصراع لن تتحسن مع شحنات متفرقة من الأسلحة والمعدات.
وبينما كان المحللون الغربيون يأملون في تحقيق اختراق حاسم في الهجوم المضاد الأوكراني الأخير، فإن القتال في أوكرانيا قد يستمر لسنوات دون أن تلوح نهاية واضحة في الأفق.
وكان المجلس الأطلسي، قال إن "بوتين يستعد لحرب طويلة". ولا تغيب هذه الحقائق عن بعض كبار المسؤولين الأمنيين الأمريكيين السابقين، على الرغم من أنهم يتفاوضون مع الروس في معارضة إدارة بايدن.
الوقت لصالح روسيا
واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها، بتأكيدها على أن الواقع اللوجستي لا يتغير لصالح أوكرانيا، فهناك شك حول ما إذا كان الغرب لديه الإرادة للتعبئة بنفس القدر الذي يتمتع به الروس، ما يعني أن الوقت يقف إلى جانب موسكو، وأصبح صناع السياسات الغربيون، الذين يأملون في أن يؤدي الانتظار إلى تسوية أكثر ملاءمة، في حالة من الصحوة القاسية.
تخرج ماثيو براينت بدرجة البكالوريوس في الشؤون العالمية من جامعة جورج ميسون. وهو حاليًا طالب دراسات عليا مشترك في جامعة ترينتو والمدرسة العليا للاقتصاد. وهو يبحث ويكتب عن منطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي وكذلك العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.
زاك يوست كاتب مستقل وزميل سياسة مارسيلوس لخريف 2021 في جمعية جون كوينسي آدامز. تم نشر أعماله في مجموعة متنوعة من المنافذ، بما في ذلك The National Interest، وThe Washington Times، وThe American Conservative. وهو المضيف المشارك للبودكاست الشهري للسياسة الخارجية الذي يصدره معهد ميزس، بعنوان الحرب والاقتصاد والدولة، ويكتب في مدونته Substack، The Yost Post.
aXA6IDMuMTYuNzAuOTkg
جزيرة ام اند امز