معارك السماء في عصر "الدرونز".. حرب أوكرانيا تضبط المستقبل
لم تضع حرب أوكرانيا المسيرات في الواجهة فقط بل ضبطت مستقبل حروب السماء في عصر الدرونز وخلقت تحديا أمام جيوش العالم.
دور حاسم للمسيرات في حرب أوكرانيا يحولها لرقم صعب في في ديناميات القوة والصراعات الإقليمية والدولية، ما يطرح بالأساس حاجة الجيوش الحديثة إلى التكيف معها سواء لاستخدامها أو لصدها.
آلات صغيرة تجوب السماء وتطلق العنان لعصر جديد لإدارة النزاعات في تحول عميق لطبيعة الحرب التقليدية التي لطالما اعتمدت الأسلحة الثقيلة في تحقيق الغلبة العسكرية.
تغيرت المعادلة، ومعها تغير مفهوم التفوق الذي كان يعتمد سابقا على عامل حجم العتاد العسكري، لتصبح التكنولوجيا العامل المهيمن في تغيير دفة الموازين، وهذا ما أظهره الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة في حرب أوكرانيا.
وفي الواقع، لم يبدأ ظهور الدرونز بسماء النزاعات مع حرب أوكرانيا المندلعة في فبراير/ شباط الماضي، لكنها شكلت ركيزة أساسية على مدى العقدين الماضيين، وفق تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأمريكية.
رمز عصر
في كل مراحل القتال تقريبا، دخلت الطائرات بدون طيار على خط المعارك في أوكرانيا، فصنعت تطورات ميدانية متسارعة واختزلت سياسات دفاعية أو هجومية قائمة على التكنولوجيا بدل العتاد الثقيل.
ففي نهاية ديسمبر/ كانون أول الماضي، سلط خبراء عسكريون الضوء على الهجمات الأوكرانية ضد روسيا، وخلصوا إلى أن كييف تعمل بكثافة على طوير درونز قتالية ذات مدى أطول، لاستهداف العمق الروسي.
قراءات لم تتأخر حينها الشركة المصنعة للأسلحة الأوكرانية في تأكيدها بالقول إنها "تقترب من إنهاء عملها على مسيرة جديدة ذات مدى طويل".
ولم تكتف أوكرانيا بذلك، بل وكما ركزت جهودها على التطوير، لم تغفل جانب التدريب للدفاع، وأطلقت حملة واسعة لجمع طائرات الدرونز، حتى الخاصة بالتصوير، من أجل تفخيخها.
وبالفعل، فإن تتبع الخط البياني للمعارك شرقي أوروبا، سيدرك أن لتلك الآلات المستخدمة لأغراض عسكرية دور كبير في توجيه دفة المعارك وإعادة رسم التوازنات على الأرض، وهذا ما فسره خبير عسكري أوكراني، بالقول إن سلاحا واحدا قد يصبح رمزا لعصر كامل في التاريخ العسكري.
طرح استند الخبير فيه إلى ذلك القوس الطويل الذي استخدمه الرماة الإنجليز خلال أحد معاركهم قبل 6 قرون ضد الجيش الفرنسي، وتمكنوا من تحقيق انتصار باهر وإن كان غير متوقع على الجيش الفرنسي رغم وجود الدبابات المدرعة الثقيلة.
وفي الواقع، فإن أسبابا كثيرة تجعل من الدرونز نجمة حروب المستقبل بلا منازع، فهي آلات صغيرة بدورة حياة قصيرة ما يعني أنه يسهل التضحية بها، كما أن كلفتها باتت في المتناول ولا تشكل عبئا على الموازنات العسكرية للجيوش.
معارك كييف
حين بدأت المعارك في العاصمة الأوكرانية بعد وقت قصير من اندلاع الحرب، بدا أن الأمور تتجه نحو حسم مؤكد لصالح القوات الروسية، لكن اللافت أن تكتيك روسيا تغير فجأة وتخلت عن المدينة التي كانت السيطرة عليها ستعني نهاية النزاع.
وحينها، تساءل كثر عن السبب، وهو ما أوضحه خبراء عسكريون ممن قالوا إن القوات الأوكرانية ضربت الجنود الروس بمسيرات تركية من طراز بيرقدار.
واستخدمت كييف المسيرات على نطاق واسع لتحديد وتتبّع تحركات العدو وتوجيه نيران المدفعية، علاوة على المسيّرات “الانتحارية”، وهي نوع من الدرونز المفخخ الذي ينفجر عند الاصطدام.
ومع أنه في وقت ما، خشي الأوكرانيون أن يسقط في جب معادلة غير متكافئة، أي أن يكلفهم إسقاط مسيّرة أكثر من استخدامها، إلا أن تركيزهم على التطوير في وقت باتت فيه هذه التكنولوجيا متاحة وبأسعار جيدة، أنقذهم من الخلل ومنحهم نفسا إضافيا على الأرض.
ومما يشجع أكثر على استخدام الدرونز هو أنها ميسورة الكلفة لدرجة أنها تُستخدم كأسلحة أقل قيمة، لكن توافرها الحالي يرسم تحديات مستقبلية تتعلق بالأساس بالمرحلة التالية من التطوير، بمعنى أنه سيكون من الضروري إيجاد حل أقل كلفة يتوافق مع السعر المنخفض للتكنولوجيا الهجومية.
أما التحدي الثاني، فيكمن في قدرة الجيوش بشكل عام -في زمن النزاعات- على تأمين مخزون ضخم من الدرونز خصوصا حين يتحول الصراع من طابعه الظرفي ليدخل الحيز الهيكلي.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4yNTAg
جزيرة ام اند امز