حرب أوكرانيا وشعبية بوتين.. هل يقلب "ساحر الكرملين" مزاج الغرب؟
هل يتمكن “ساحر الكرملين” من قلب المزاج الغربي حيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فتضطر المواقف الرسمية للانصياع لتعاطف شعوبها؟
الأمر يبدو واردا في ظل تأثير لافت أحدثته الرواية الشهيرة للكاتب الإيطالي- السويسري جوليان دا إيمبولي، وتناولته العديد من الصحف الغربية بينها “نيويورك تايمز”.
رواية يمتد فيها تأثير "السحر" من الخيال ليتقاطع مع واقع يحملك في عمق التفاصيل حتى يخيل إليك أنك على أريكة إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل قد يتجاوز التأثير الميتافيزيقي إلى درجة الشعور أنك تجوب أرجاء عقل الزعيم الروسي.
جولة بين الخيال والواقع تعرج على دهاليز القياصرة الروس خلال العقدين الماضيين، وتتطرق لحربي الشيشان وأوكرانيا، مرورا بالألعاب الأولمبية في سوتشي، على طريقة "ساحر الكرملين".
وحقق "الساحر" مبيعات عالية في المكتبات الفرنسية، وأبهر الإليزيه بعرضه السردي لكنه أثار تساؤلات حول ما إذا كان يشكل رأي باريس في روسيا، أو ما إن كان سيكون له رأي في تعديل موقفها الرسمي.
وفرنسا المضطرة للبقاء تحت مظلة الموقف الأوروبي الداعم لكييف، ظلت دائما متمسكة بالحوار نهجا لوضع نقطة النهاية للنزاع المندلع شرقي القارة العجوز منذ نحو عام.
ولأن المؤلف ليس روائيا في الأصل، لكنه من أهل السياسة، فقد جاءت الرواية منسجمة مع منطق هذا العالم المتقلب، وهو الذي تقلد منصب نائب رئيس بلدية فلورنسا بإيطاليا، ومستشار رئيس وزراء إيطالي سابق.
كما سبق أن نشر عشرات المقالات السياسية باللغتين الإيطالية والفرنسية، بما في ذلك مقال عن الانتخابات الرئاسية لباراك أوباما عام 2008.
واستوحى الكاتب رسم الشخصية الرئيسية في كتابه، فاديم بارانوف، من شخصية المستشار فلاديسلاف سوركوف، الذي يلقب بـ"راسبوتين الكرملين"، أو "الظل الرمادي" لبوتين وأحد أقرب مستشاريه الذي ساعده في الوصول إلى السلطة، قبل أن يختفي عن الأضواء عام 2021.
سحر المزاج؟
كما كان متوقعا، لم يمر الكتاب دون ضجة، خصوصا في فرنسا، ما فجر مخاوف غربية و- آمالا من أنصار روسيا - من أن يبعثر المزاج العام في بلد لا يبدو موقفه صارما حيال دعم كييف.
ففي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، قال الكاتب إن الصورة التي رسمتها رواية “ساحر الكرملين” أثارت تعاطفا وفي نفس الوقت تأثرا بالزعيم الروسي فلاديمير بوتين.
واعتبر أن هذا التعاطف في الأوساط الشعبية يثير مخاوف من أن ذلك قد يؤثر على الموقف الرسمي والسياسة الفرنسية في علاقتها بالأزمة الأوكرانية.
وعلاوة على آراء نقاد ممن رأوا أن الرواية تعكس واقع السياسة الروسية والوضع العالمي، صدرت تصريحات لمسؤولين سابقين، تؤيد المنحى نفسه، حيث قال وزير الخارجية الأسبق هوبرت فيردين، إن الرواية “قريبة من الواقع للغاية”، داعيا الجميع إلى قراءتها.
وتجاوز الأمر الحد المرغوب فيه من الغرب، حين أضاف فيردين: "لو أن الرئيس إيمانويل ماكرون قرأ هذا الكتاب، لما اتخذ مثل هذا الموقف العدواني تجاه روسيا".
ولاحقا، سرى الصدى لأعلى مستويات القرارات في باريس، حيث أعربت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن عن تقديرها البالغ للرواية، مشيرة إلى أنها “تمثل صدى للوضع الدولي الحالي والصراع في أوكرانيا”.
مفتاح بوتين
تدور أحداث رواية “ساحر الكرملين” حول شخصية مساعد عمل مدة طويلة مع بوتين، ويقدم رأيه في الموقف الغربي، وأهداف واشنطن لاحتواء روسيا، وحاجة الروس لزعيم قوي.
وبحسب ردود الأفعال الشعبية المرصودة عبر مواقع التواصل، باتت الرواية منصوحا بها باعتبارها مفتاحا لفهم شخصية بوتين، وملامح التوازنات الدولية والأجندات العالمية المتقاطعة في حرب أوكرانيا.
ويستند "ساحر الكرملين" إلى اثنين من المونولوجات في صيغة ضمير المفرد، فالراوي الأول في البداية والنهاية، غربي يسافر إلى روسيا، أما الثاني فهو الشخصية المستوحاة من سوركوف، فاديم بارانوف، الذي اختفى عن الأنظار في الخيال كما في الواقع.
والراوي الثاني عمل مع "القيصر" بوتين، والتقى بالأوليغارشي بوريس بيريزوفسكي وميخائيل خودوركوفسكي، وإيغور سيتشين (وليس سيتشين) ونائب بوتين ،إيفغيني بريغوين، وزعيم "فاغنر"، ولاعب الشطرنج غاري كاسباروف.
ونشرت الرواية بعد وقت قصير من اندلاع الحرب بأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، وأصبحت دليلا شائعا لفهم دوافع بوتين وشخصيته ورؤيته.
فهل يقلب "الساحر" مزاج الغرب ويبعثر حسابات حكوماته؟