الأزمة الأوكرانية الروسية بشهرها الثالث.. "الحرب" محلك سر
تبدو العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كموظف عالمي بدوام كامل يواصل روتينه اليومي مع دخول المعارك شهرها الثالث.
روتين ثقيل يلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي العالمي ويهدد بأزمة غذائية في دول الجنوب، من دون نهاية واضحة في الأفق أو تغييرات حاسمة على الأرض.
ويترقب العالم انطلاق معارك في الشرق الأوكراني بعد أن أعادت روسيا نشر جنودها وسحبت قواتها من محيط العاصمة تمهيدا لتقدم بطيء من جهة شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014 لتوفير خطوط لوجستية أكثر كفاءة بين قواتها ومراكز الإمداد والسيطرة على الساحل الأوكراني.
الرواية الغربية
وبعد شهرين من المعارك لا تزال السردية الغربية تحتفظ بخطوطها العريضة التي تتحدث عن فشل موسكو في تحقيق أهدافها من المعارك في أوكرانيا.
وتعتمد تلك الرواية على افتراض أن الهدف الرئيسي من العملية هو الهجوم المباغت على عاصمة كييف وإسقاطها في الأيام الأولى، وهو ما لم يتحقق.
لكن التقدم الروسي في الشرق وإن كان بوتيرة بطيئة خاصة بعد سقوط مدينة ماريوبول الاستراتيجية التي جعلت من بحر آزوف بحيرة روسية يشكك في السردية التي اعتمدتها معظم عواصم حلف شمال الأطلسي بحسب مراقبين.
وتقول روسيا إن هدفها من العملية العسكرية التي انطلقت في 24 فبراير/شباط الماضي حماية المدنيين في شرق أوكرانيا من المتطرفين اليمينيين.
وبغض النظر عن حقيقة الفشل الروسي، تدخل المساعدات الغربية لأوكرانيا مرحلة جديدة مع تركز المعارك في الشرق.
الأسلحة الثقيلة
بعد 8 أسابيع من بدء العملية الروسية في أوكرانيا، قررت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسريع إرسال الأسلحة المدفعية الثقيلة إلى كييف.
ووفقا لتقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية تحتل المدفعية أهمية كبيرة في الوقت الراهن، حيث ستشكل ميزة رئيسية في المعركة التي تدور في إقليم دونباس بشرق أوكرانيا.
ويعود ذلك لطبيعة التضاريس المستوية نسبياً التي تلائم ما يسميه الجيش "ساحة المناورة"، والتي تعني تحركات الدبابات والقوات البرية الأخرى المدعومة بمدافع بعيدة المدى مثل مدافع هاوتزر.
ووفقا للتقرير، فقد نشر الروس مدفعية إضافية في منطقة دونباس خلال الأيام الماضية، إلى جانب المزيد من القوات البرية وغيرها من المواد لدعم واستدامة ما يتوقع أن تكون معركة طويلة في قلب أوكرانيا الصناعي، تبدو الأسلحة الثقيلة عاملا حاسما فيها.
وكان بايدن أعلن عن مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار تشمل 72 مدفعا إلى جانب 144 ألف قذيفة مدفعية، وأكثر من 120 طائرة مسلحة بدون طيار من مخزونات القوات الجوية الأمريكية ستتطلب تدريباً للأوكرانيين، إلى جانب الرادارات لتمكين استهداف المدفعية الروسية، وكذلك رادارات المراقبة الجوية وسفن ساحلية غير مأهولة، وهو ما يرفع حجم المساعدات الأمنية الأمريكية المقدمة منذ انطلاق المعرك إلى 3.4 مليار دولار.
ومع انطلاق الشهر الثالث للعملية العسكرية أرسلت روسيا مذكرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لوقف توريد الأسلحة لكييف، عقب إعلان الإدارة الأمريكية توريد أسلحة بقيمة 800 مليون دولار إلى أوكرانيا.
ونقلت وكالة تاس الروسية اليوم الإثنين عن السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنطونوف، قوله تعقيبا على ذلك: "إن إرسال أسلحة إلى كييف لا يساهم في إيجاد حل دبلوماسي وتسوية للأزمة".
وأضاف أنطونوف في مقابلة مع قناة "روسيا 24" التلفزيونية الروسية، أن هذا المبلغ ضخم، ويدفع نحو زيادة المخاطر وتفاقم الوضع على نحو أكبر.
واعتبر الدبلوماسي الروسي أن "المهمة، على حد تعبير أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي صراحة، هي منع روسيا من الوقوف على قدميها".
الأسلحة القذرة.. اتهامات متبادلة
وتستعر حرب اتهامات بين روسيا والغرب في أوكرانيا؛ حيث تتقاطع الاستفزازات لتفرز نزاعا يتفاقم بالتوازي مع العمليات العسكرية.
وهدنة لم تطل، تعود الاتهامات لتدخل على خط الصراع، يدفع كل طرف خلاله عن براءته منها، فيما يرى مراقبون أنها تشكل أحد أبرز أضلع النزاع الدائر شرقي أوروبا.
وفي مطلع الأسبوع الجاري، اتهم قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي في الجيش الروسي، إيغور كيريلوف، الولايات المتحدة الأمريكية بدراسة ثلاثة سيناريوهات للاستفزاز المزعوم.
الأول يشمل تدبير "مسرحية تحت علم زائف"، حيث قال يدور الحديث إما عن استخدام أسلحة كيميائية وبيولوجية بالفعل مع سقوط ضحايا بين المدنيين أو فبركة "عملية تخريبية من قبل روسيا" في مواقع أوكرانية منخرطة في إنتاج مكونات لأسلحة الدمار الشامل.
وبحسب موقع "روسيا اليوم"، نقلا عن الجنرال الروسي، فإنه من المفترض تطبيق هذا السيناريو في مواقع كيميائية وبيولوجية في العاصمة كييف وثاني أكبر مدن أوكرانيا خاركوف.
أما السيناريو الثاني، فيهمّ استخدام أسلحة الدمار الشامل على نطاق محدود بأقصى درجات السرية، حيث رجح الجنرال أن هذا السيناريو قد يطبق بهدف تثبيط عزيمة القوات الروسية وتقويض قدرتها على المقاومة في تنفيذ مهمة عملية محددة، بحسب المصدر نفسه.
السيناريو الثالث يكمن في "الاستخدام السافر لأسلحة الدمار الشامل في ميدان القتال"، حيث لفت كيريلوف إلى أن موسكو ترى في ذلك السيناريو الأقل ترجيحا.
وأوضح أن واشنطن قد تلجأ إلى هذا الطرح في منطقة القتال في حال عجز حكومة كييف عن إحراز نجاح بأنواع الأسلحة التقليدية، معتبرا أن واشنطن تنظر في إمكانية تطبيق هذا السيناريو في مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك.
وبحسب كيريلوف، فإن موسكو تملك معلومات عن نقل الولايات المتحدة إلى أوكرانيا ترياقات لمواد سامة، ما يدل على الخطر المرتفع لاستخدام أسلحة كيميائية هناك.
في المقابل، طالما حذر البيت الأبيض من أن روسيا ربما تخطط لهجوم بأسلحة كيمياوية أو بيولوجية في أوكرانيا، مشددا على ضرورة الاستعداد لهذا الاحتمال.
وفي تصريحات سابقة، وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي تصريحات روسية حول معامل أمريكية للأسلحة البيولوجية وتطوير أسلحة كيمياوية في أوكرانيا بأنها "غير معقولة".
وحذرت من أن هذه الادعاءات "حيلة واضحة" لتبرير المزيد من الهجمات المتعمدة وغير المبررة.
من جانبهم، يبدي مسؤولون أمريكيون مخاوف من لجوء موسكو إلى استخدام أسلحة غير تقليدية لتبرير رفع وتيرة الحسم العسكري في أوكرانيا، وهو ما دعمته عدة تقارير غربية، فيما تنفي روسيا ذلك وتهاجم الغرب بنفس "السلاح".
العقوبات
ومع استمرار المعارك كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية أن الاتحاد الأوروبي يعد حزمة جديدة من "العقوبات الذكية" على واردات النفط الروسية.
وروسيا هي أكبر مورد للنفط لأوروبا، وقدمت 26 في المئة من النفط الذي استورده الاتحاد الأوروبي في عام 2020.
ونقلت الصحيفة عن نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس قوله: "نعمل على حزمة عقوبات سادسة وإحدى القضايا التي ندرسها هي شكل من أشكال الحظر النفطي. عندما نفرض عقوبات، نحتاج إلى القيام بذلك بطريقة تزيد من الضغط على روسيا مع تقليل الأضرار الجانبية التي تلحق بنا".
وتأتي العقوبات الجديدة لتتجاوب مع مناشدة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الإثنين دول الخليج العربي ومنتجي النفط والغاز الكبار زيادة إنتاج الطاقة "كي يفهم الجميع في روسيا أنه لا أحد يستطيع استخدام الطاقة للابتزاز".
وفق حسابات "العين الإخبارية" بلغ متوسط سعر برميل النفط لخام برنت خلال أول شهرين من العام الجاري، نحو 115.3 دولار للبرميل، بزيادة 27 دولارا عن أول شهرين من 2022.
ويستهلك العالم يوميا، قرابة 99.4 مليون برميل نفط يوميا أي نحو 5.97 مليارات برميل في شهري الحرب، ما يعني أن كل برميل ارتفعت كلفته نحو 27 دولارا، أو 161.2 مليار دولار، زيادة في كلفة واردات النفط.
وبعبارة أخرى، تحملت الدول والشركات حول العالم مبلغ 161.2 مليار دولار فرق زيادة أسعار النفط بين أول شهرين من 2022، وبين الشهرين الماضيين اللذين شهدا الحرب الروسية الأوكرانية.