بعد 108 أعوام.. "آلهة الحرب" تكتب في أوكرانيا مصير "فردان"
بعد قرابة 4 أشهر من انطلاقها، أعادت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى الأذهان ذكريات الحرب العالمية الأولى، وما خلفته من دمار.
فعلى وقع أصوات المدافع وغزارة القذائف وحفر الخنادق، حضرت المقارنات بين ما يحدث في أوكرانيا وما جرى خلال الحرب العالمية، خاصة بعد ما أحدثته الأزمة الحالية من تدمير قرى بالكامل على طول خط الجبهة، مذكرة بـ"أنقاض فردان"، وهي مدينة فرنسية دمّرها الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى.
وأظهرت السلسلة الأخيرة من مشاهد الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة ماكسار تكنولوجيز الأمريكية ونُشرت الأسبوع الماضي، الأضرار التي تسببت بها المدفعية في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا.
المنطقة الحمراء
وتبيّن الصور التي التُقطت في السادس من يونيو/حزيران الجاري، من بين أمور أخرى حقلًا مليئًا بحفر أحدثتها المدفعية قرب مدينة سلوفيانسك وحفرةً يبلغ قطرها 40 مترًا وحتى آثار "انفجارات" على طول نهر سيفرسكي دونيتس ومدينة بوغوروديشن.
من جانبه، قال نيكولا بوبريه العضو في اللجنة التوجيهية لمركز الأبحاث الدولي لتاريخ الحرب العظمى ومقره فرنسا، إن "مشاهد الحرب (في أوكرانيا) يمكن مقارنتها بما تمكنا من رؤيته في الحرب العالمية الأولى، بما في ذلك قرى مدمرة بالكامل".
وأضاف بوبريه: "كانت هذه الحال في 1914-1918، مع ما كان يُسمى
المنطقة الحمراء التي كان يتراوح عرضها بين عشرة وعشرين كيلومترًا وكانت تتناسب مع نطاق نيران المدفعية كما أنها كانت مدمّرة بالكامل.
أوجه تشابه
ولدى سؤاله عن تصاعد العنف على الجبهة في أوكرانيا، تحدث مسؤول رفيع في حلف شمال الأطلسي مؤخرًا عن أوجه تشابه بين الحرب العظمى والنزاع الحالي الذي تُستخدم فيه "المدفعية بكثافة".
واحتلّت المدفعية التي كان الزعيم السوفيتي الراحل جوزيف ستالين يصفها بأنها "آلهة الحرب" في عصره، موقعًا مركزيًا في النزاع في أوكرانيا، بعد أكثر من مئة عام من أدائها دورًا محوريًا في الحرب العظمى.
بدوره، قال الباحث المشارك في مؤسسة البحوث الاستراتيجية أوليفييه كيمبف "من الواضح أن النزاع الأوكراني هو نزاع واسع النطاق مع جبهات ثابتة إلى حدّ ما، تتحرك ببطء ويتمّ تحقيق تقدم بشكل أساسي بواسطة الضربات المدفعية".
وأضاف أن هناك "المدفعية التي تحاول ضرب مواقع العدو ولكن أيضًا الضربات التي تشمل استهداف بطاريات مدفعية العدو". ويتابع "إذًا نعم هناك استرجاع لذكريات الحرب العظمى".
استُعيدت ذكريات الحرب العظمى أيضًا أواخر أبريل/نيسان مع المعلومات التي جمعتها صحيفة "الغارديان" البريطانية بشأن استخدام سهام معدنية صغيرة من نوع تطلقه المدفعية الروسية، كان مستخدمًا كثيرًا خلال الحرب العالمية الأولى.
وقبل شهر، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن صور بعض المدن الأوكرانية تذكّر بـ"أنقاض فردان"، وهي مدينة فرنسية دمّرها الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى.
مقارنة محدودة
لكن بعيدًا عن هذه الجوانب المرئية، فإن المقارنة بين الحربين لها محدوديّتها. تقول الخبيرة في الحروب العالمية كامي هارلي فارغاس "نرى الكثير من الخنادق، وهناك ميل إلى المقارنة مع الحرب العالمية الأولى في حين أن الخنادق هي نظام تحصين نراه في الكثير من النزاعات الأخرى أيضًا"، مشيرةً من بين نزاعات أخرى إلى نزاع ناغورني قره باغ.
ويعتبر الخبير في الشؤون الدفاعية جوزيف هنروتان أن "الخنادق هي أمر ثابت، ردّ فعل طبيعي: اعتبارًا من اللحظة التي تشهد تطاير شظايا في كل الاتجاهات، ينبغي حني الرأس والطريقة الفضلى لحني الرأس هي أن يكون الشخص في مستوى الأرض".
وخلال قرن، تطوّرت الأسلحة وهو أمر ليس مفاجئًا، كما أن المدفعية التي كانت تُستخدم في الحرب العالمية الأولى لا تشبه المدفعية المستخدمة اليوم.
ويشير فرانك ليدويدج الأستاذ الجامعي الباحث في الاستراتيجيات العسكرية والقانون العسكري في جامعة بورتسموث إلى أن في ذلك الوقت "لم تكن المدفعية تطلق قذائف دقيقة، اليوم، هذا في قلب (نظام) المدفعية" المستخدمة حاليًا على الأراضي الأوكرانية.
ويؤكد نيكولا بوبريه أن "الفرق مع الحرب العالمية الأولى، هو أنه لدينا مدفعية عميقة مع مدافع يمكنها أن تقصف بسهولة حتى مسافة 40 كيلومترًا بدقة نوعًا ما".
أوجه الاختلاف
وظهرت أيضًا الطائرات المسيّرة فوق ساحة المعركة بدلًا من طائرات المراقبة التي كانت مستخدمة بين 1914 و1918، أما ما يخصّ حجم الذخائر المستخدمة، فإن المقارنة مع الحرب العالمية الأولى صعبة لأن المعطيات الميدانية مجزأة.
وبحسب المسؤول الثاني في جهاز الاستخبارات العسكري الأوكراني فاديم سكيبيتسكي، تستخدم أوكرانيا بين 5 و6 آلاف قذيفة مدفعية في اليوم.
خسائر عسكرية
وفي ما يخصّ الخسائر العسكرية، فقد قُتل ما بين 15 و20 ألف جندي روسي بحسب مصادر أمنية غربية، أما كييف فأفادت بمقتل 10 آلاف جندي أوكراني منذ 24 فبراير/شباط، مشيرةً إلى مقتل ما بين 100 و300 جندي في اليوم.
وخلال الحرب العظمى، اعتُبر "ثلاثة أرباع جنود المشاة" قتلى أو جرحى بسبب المدفعية، وفق كامي هارلي فارغاس.
ويوضح أوليفييه كيمبف أن "هناك معدّلات وفيات (في صفوف الجنود) كانت تصل إلى الآلاف في اليوم بين 1914 و1918"، لكنّ التعبئة العامة آنذاك "كانت أكبر بكثير".