سيارات تسلا تغذي أوكرانيا بالكهرباء.. اختراعات من قلب الحرب والعتمة
في مرآب صغير على مشارف كييف، قامت مجموعة من الميكانيكيين بفحص بقايا سيارة تسلا قديمة محطمة،وقاموا بتجريدها من أجزائها.
ولكن بدلاً من محاولة إصلاح السيارة، كان الرجال مشغولين باستخراج بطاريتها، على أمل استخدامها لتشغيل المتاجر والمنازل المحلية.
هذا ما يقوم به الآن المواطنون في العاصمة الأوكرانية، بسبب معاناتهم من فقدان الطاقة بعد أدت الهجمات الروسية إلى خفض الكهرباء إلى بضع ساعات في اليوم، مما أجبر الشركات على التكيف مع الانقطاعات المنتظمة، بحسب فاينانشيال تايمز.
وتقول الصحيفة إن عملهم، الذي يمكن أن يحول سيارة تسلا واحدة مهملة إلى مصدر لعشرات أنظمة البطاريات المنزلية، هو أحد الطرق التي لا تعد ولا تحصى التي لجأت لها الشركات والمتاجر الأوكرانية وسط حالات انقطاع التيار الكهربائي المنتظم الذي تواجهه البلاد منذ أن شنت روسيا سلسلة من الهجمات على شبكة الطاقة الخاصة بها في وقت سابق من هذا العام.
وقامت روسيا بتدمير أو الاستيلاء على أكثر من نصف قدرة توليد الكهرباء المحلية في أوكرانيا، مما أجبر شركات الطاقة على فرض انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي على مستوى البلاد، مما ترك المنازل والشركات دون كهرباء لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم.
واضطرت الشركات إلى التكيف في جميع أنحاء كييف، إذ تعمل الآن مولدات الديزل المتوقفة خارج المتاجر والمقاهي بمجرد انقطاع التيار الكهربائي، وتقوم العديد من الأسر في العاصمة بتوصيل أجهزتها بأنظمة البطاريات القابلة لإعادة الشحن في المنزل.
من ضمن القصص التي سلطت فاينانشيال تايمز الضوء عليها عن محاولات التكيف مع الظلام في أوكرانيا، ما قام به أولكسندر بنتسا، 30 عاما، الذي أدرك أن لديه حلًا محتملاً في متناول يده للتعامل مع الأزمة وسط الحرب والدمار.
ولسنوات، كان رجل الأعمال الأوكراني يشتري سيارات تسلا المحطمة في مزادات التأمين في الولايات المتحدة ويستوردها إلى أوكرانيا، ليقوم الميكانيكيون لديه بترميم السيارات وإعادة بيعها.
وعندما بدأت أشد حالات انقطاع التيار الكهربائي في أوكرانيا هذا الربيع، أدرك أنه يمكن أن يكون هناك هدفا جديدا لمهنته.
ووجد بنتسا كهربائيين قادرين على القيام بالمهمة الخطيرة المتمثلة في تحويل بطاريات تسلا التي تم إنقاذها إلى أنظمة متعددة قابلة لإعادة الشحن.
مشروع الأنظمة المستقلة
وأنشأ بنتسا من هذا الهدف مشروعا جديدا، من خلاله يحول سيارة تسلا القديمة إلى 12 بطارية، وأطلق على مشروعه اسما خاصا جديدا هو "الأنظمة المستقلة الأوكرانية".
وكل نظام يتم إنتاجه يرمز إلى بطارية تتمتع بقدرة 5 كيلوواط/ساعة، وهو ما يكفي لتشغيل الأضواء والمعدات الكهربائية، في شقة عادية في كييف ولمدة 10 ساعات، غير أن التدفئة الكهربائية تبقى دون مصدر للطاقة في كييف كونها ليست أولولية في الوقت الحالي.
وتقول "فاينانشل تايمز" إن "أولكسندر بنتسا" يبيع بعضا من هذه الأنظمة للجيش بدون هامش ربح، غير أن معظم زبائنه من المدنيين.
وقد ارتفع الطلب من الصفر تقريبا إلى مستويات عالية في الشهرين الماضيين، ويتوقع بنتسا أن يرتفع أكثر مع اقتراب فصل الشتاء، مؤكدا أن في الشتاء ستكون هناك مشكلة أكبر لتوفير مصادر الطاقة لن يحلها مشروع استئصال البطاريات من سيارات تسلا المستهلكة.
ويقول المحللون إن الأوكرانيين سيواجهون انقطاعات في الكهرباء حتى تنتهي الحرب، مع استمرار الهجمات الروسية ومحاولة اللحاق بجهود الإصلاح.
وقال فولوديمير أوميلتشينكو، خبير الطاقة في مركز رازومكوف للأبحاث، إنه من المتوقع أن تعود بعض الوحدات النووية والحرارية الرئيسية إلى العمل الشهر المقبل، بمجرد الانتهاء من أعمال الإصلاح، مما يخفف الوضع إلى حد ما، بعد انحسار موجة الحر القوية الأسبوع الماضي.
لكن الإصلاحات لن تؤدي إلا إلى إعادة إمدادات الكهرباء للمستهلكين إلى ما لا يقل عن 12 ساعة في اليوم، وقد تؤدي المزيد من الهجمات الروسية إلى إلحاق المزيد من الضرر.
وقالت ناتاليا شابوفال، رئيسة معهد كييف للاقتصاد، إن أوكرانيا وشركاءها في حاجة إلى فهم الاستراتيجية الروسية الأوسع، إذا استمرت الهجمات فقد تفتقر أوكرانيا قريبا إلى القوة اللازمة لتشغيل المؤسسات الأكبر، مما سيؤدي إلى انخفاض في عائدات الضرائب.
وقالت: "ستكون هذه مشكلة كبيرة حقا لوضعنا الاقتصادي الكلي".
أزمة طاقة
أدى التعامل مع أزمة الطاقة إلى ارتفاع تكاليف الشركات في جميع أنحاء أوكرانيا، ما دفع مختلف قطاعات الأعمال التي لا تزال صامدة في أوكرانيا إلى المزيد من الخسائر.
وتقول "فاينانشيال تايمز" إنه في منشأة تبريد تبلغ مساحتها 1000 متر مربع في كييف، يقوم أندري ألينيك بتخزين نحو 300 طن من الأطعمة المجمدة، مثل التوت ورقائق البطاطس، في درجات حرارة تتراوح بين -18 إلى -20 درجة مئوية.
وقال ألينيك: "قد يحتاج متجر عادي أو مقهى إلى 2 كيلوواط من الطاقة في الساعة، لكننا في منشأة التبريد هذه نحتاج إلى 400 كيلوواط".
وأوضح أنه يمكن أن يتكلف مولد لهذه السعة من الطاقة ما بين 70 ألفا و150 ألف يورو، وأن هذا مبلغ كبير جدا لا يقوى على سداده.
وأدى انقطاع التيار الكهربائي، الذي يؤثر على منشأة ألينيك لمدة 12 ساعة يوميا تقريبا، إلى ذوبان جزئي للبضائع المجمدة مما يؤدي إلى تقصير عمرها الافتراضي.
ومع انقطاع التيار الكهربائي الذي أدى أيضا إلى انقطاع الخدمات اللوجستية، وشراء العملاء أغذية أقل قابلية للتلف بسبب انقطاع التيار الكهربائي في منازلهم، انخفضت مبيعات ألينيك بنسبة 70% في الشهرين الماضيين مع مواجهته لمستقبل مجهول.
وقبل الغزو الروسي، كان بإمكان أوكرانيا إنتاج نحو 55 غيغاواط من الكهرباء، وقد انخفضت هذه القدرة الآن إلى أقل من 20 غيغاواط.
حياة في قلب العتمة
وفي كييف، تنطفئ إشارات المرور عند انقطاع التيار الكهربائي، ويتم التنقل في المعابر بطريقة مغايرة، حيث يقوم المشاة بإضاءة هواتفهم في الليل حتى يتمكن السائقون من رؤيتها.
كما طورت المطاعم "قوائم طعام معتمة"، توضح الأطباق التي يمكنهم طهيها عند انقطاع التيار الكهربائي.
وقال دميترو بيلوتسيركوفيتس، عضو مجلس مدينة كييف ومستشار عمدة المدينة، إن "الوضع صعب"، إذ تحل الحافلات بشكل متزايد محل وسائل النقل العام التي تعمل بالطاقة الكهربائية مثل حافلات الترولي والترام أثناء انقطاع الخدمة.
وأضاف: "الشيء الأكثر أهمية الآن هو محاولة تحفيز مصادر الطاقة المتجددة قدر الإمكان".
وإلى جانب عمليات استخراج أحشاء سيارات تسلا للاستعانة ببطارياتها، بدأت مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الظهور في جميع أنحاء أوكرانيا.
والآن تقوم المستشفيات بتبليط أسطحها بألواح الطاقة الشمسية، ويتم تركيب ألواح الطاقة الشمسية في القرى الصغيرة التي تعتمد على الطاقة الكهربائية لضخ المياه من الآبار.
وقامت مدينة لوتسك بتركيب ألواح شمسية على إشارات المرور حتى تستمر في العمل عند انقطاع التيار الكهربائي.
وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في مجمعات سكنية، غالبا ما تحتوي على مواقد كهربائية ومضخات مياه كهربائية، قد يعني انقطاع التيار الكهربائي بالنسبة لهم عدم وجود وسيلة للطهي أو الاغتسال، فضلاً عن عدم وجود مصاعد.
aXA6IDMuMTQ0LjExNC44IA== جزيرة ام اند امز