«تقييد الفيتو».. مبادرة ماكرون تسير على «أشواك السياسة»
لعقود طويلة، تصدر إصلاح مجلس الأمن، جدل تحديث الأمم المتحدة في إطار الواقع العالمي المتغير، لكن التركيز كان على توسيع العضوية الدائمة.
لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تحرك في مضمار آخر، عبر طرح مبادرة لتقييد استخدام حق النقض "الفيتو" في حالات "القتل الجماعي"، في إشارة محتملة إلى روسيا.
الرئيس الفرنسي مضى مبررا اقتراحه، وقال إن زيادة عدد الأعضاء الذين يتمتّعون بحقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لن يحلّ وحده مشكلة الشلل التي تعاني منها الهيئة الأممية.
ويرى خبراء في القانون الدولي، أن اقتراح تقييد الفيتو "قد يكون خطوة هامة في سبيل تحقيق توازن القوى في المؤسسة الأممية، وتعزيز قدرة المجتمع الدولي على حماية الأرواح البشرية وتحقيق السلم والأمن الدوليين".
لكن الخبراء أكدوا في الوقت ذاته، أن المقترح الفرنسي "يواجه تحديات كبيرة تتطلب بداية تعديل ميثاق الأمم المتحدة، والبدء في خطوات الإصلاح، والتي لابد أن تأتي مدفوعة بموافقة الأعضاء الدائمين بالمجلس (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين)".
ولم تكن دعوة ماكرون الأولى من نوعها في ملف إصلاح مجلس الأمن. قبل أسبوعين، أعلنت الولايات المتحدة، دعمها منح مقعدين دائمين للدول الأفريقية في المجلس، لكن من دون حق النقض.
"الاتجاه الصحيح"
وفي تعقيبه على مبادرة ماكرون، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي بالقاهرة، إن دعوة الرئيس الفرنسي؛ لتقييد الفيتو في مجلس الأمن في حالات "القتل الجماعي"، "خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق توازن القوى داخل الهيئة التابعة للأمم المتحدة، رغم التحديات التي تواجهها".
وأوضح مهران في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن دعوة ماكرون "تعكس إدراكاً متزايداً للحاجة الملحة لإصلاح آليات عمل مجلس الأمن"، مشيرا إلى أن "فكرة تقييد حق الفيتو في حالات القتل الجماعي تهدف إلى منع شلل المجلس في مواجهة الأزمات الإنسانية الخطيرة".
وأضاف أن مقترح ماكرون "يستند إلى مبدأ مسؤولية للحماية الذي أقرته الأمم المتحدة عام 2005، والذي يلزم المجتمع الدولي بالتدخل لحماية المدنيين في حالات الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية".
ولفت في هذا الصدد، إلى أن تقييد حق الفيتو في هذه الحالات المحددة "قد يؤدي إلى تعزيز قدرة المجلس على التحرك بسرعة في الأزمات الإنسانية الخطيرة، والحد من إساءة استخدام الفيتو لحماية مصالح سياسية ضيقة، هذا بالإضافة إلي زيادة الضغط الأخلاقي والسياسي على الدول دائمة العضوية لاتخاذ مواقف أكثر مسؤولية".
تحول يثير القلق
مهران قال أيضا، إن "هذا التغيير إن تم تطبيقه، فقد يؤدي إلى تحول في ديناميكيات صنع القرار داخل المجلس، مما قد يثير مخاوف بعض الدول من فقدان نفوذها".
لكنه أكد أيضا أن نجاح المقترح الفرنسي "يواجه تحديات كبيرة، حيث يتطلب بداية تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وهو أمر يحتاج موافقة جميع الدول دائمة العضوية".
إضافة إلى أن بعض الدول، "قد تعارض، وتعتبر هذا التقييد تدخلاً في سيادتها، فضلا عن إشكالية الخلاف حول تعريف القتل الجماعي وآليات تحديده"، وفقا لـ"مهران".
ومع ذلك، يرى أستاذ القانون الدولي، "رغم هذه التحديات، فإن طرح هذه الفكرة يفتح باباً مهماً للنقاش حول إصلاح مجلس الأمن، وتعزيز فعاليته في التعامل مع الأزمات الإنسانية".
وفي هذا الصدد، يقترح مهران، بناء إجماع دولي واسع حول ضرورة تقييد الفيتو في حالات محددة، مع إنشاء آلية مستقلة لتحديد حالات القتل الجماعي بموضوعية أو اللجوء مثلا لمحكمة العدل الدولية لتحديد ذلك، وكذلك تطوير مدونة سلوك طوعية للدول دائمة العضوية لعدم استخدام الفيتو في هذه الحالات، فضلا عن تعزيز دور الجمعية العامة في التعامل مع الأزمات عند فشل مجلس الأمن.
وشدد أستاذ القانون علي أن "دعوة ماكرون تمثل خطوة مهمة نحو جعل مجلس الأمن أكثر استجابة للأزمات الإنسانية"، مضيفا "نحتاج إلى حوار دولي مستمر وإرادة سياسية قوية لتحقيق هذا الإصلاح الضروري، و يجب أن يكون الهدف تعزيز قدرة المجتمع الدولي على حماية الأرواح البشرية وتحقيق السلم والأمن الدوليين".
معتبرا أن "تقييد الفيتو في حالات القتل الجماعي قد يكون خطوة صغيرة لكنها مهمة في هذا الاتجاه".
كما أكد على أهمية مشاركة الدول العربية في هذا النقاش العالمي، وأن تكون جزءاً فاعلاً في عملية إصلاح مجلس الأمن.
حق مقيد
بدوره، رأى الدكتور مجيد بودان الخبير في القانون الدولي وأستاذ العلاقات الدولية، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن طلب ماكرون "ليس الأول من نوعه، فقد سبق وتقدمت به باريس منذ أكثر من 11 عاما وتعيده الآن، نتيجة الشلل الذي أصاب المؤسسة الأممية".
وأضاف بودان: "يحمل المقترح الفرنسي في فحواه أهمية في حال تطبيقه، تتعلق بعدم استخدام حق الفيتو لأي دولة في العالم بشكل يخالف للقانون الدولي، وأن يتم تطبيق القانون الدولي من قبل مجلس الأمن".
وأوضح الخبير التونسي المقيم في فرنسا، أن "الاقتراح يتضمن ألا يُستخدم الفيتو كحق مطلق من أي دولة، بل حق مقيد، كأي سلطة يجب أن تكون غير مطلقة، استنادا للقانون الدولي".
وبشأن آليات إصلاح بمجلس الأمن ومعوقات التطبيق، رأى مجيد بودان، أن إجراءات تغيير أو هيكلة تركيبة مجلس الأمن وأعضائه الدائمين، "تتوقف على ميثاق الأمم المتحدة ونظام المجلس، وموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعضاء المجلس الدائمين الذين يتمتعون بحق (الفيتو)، لذا يمكن لأي منهم عرقلة عملية الإصلاح".
"هام للغاية"
بدوره، يصف الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، دعوة الرئيس الفرنسي لـ"تقييد الفيتو"، بأنها "هامة للغاية"، وقال في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "مقترح ماكرون نبيل وجيد، لكن ينبغي بطبيعة الحال التوسع ليس فقط في حالات القتل الجماعي، أو الإبادة الجماعية، لكن لحالات أخرى يجب التفاهم والتعامل معها بصورة أو بأخرى".
وأضاف أن "هذا المقترح هو محاولة للخروج من القيود والضغوط داخل مجلس الأمن، خاصة وأن كثير من الدول وقادتها يطالبون بتطوير نظام المجلس".
ورأى أن الأمر "لن يقتصر على تقييد حق استخدام الفيتو، بل هناك حديث عن انضمام دول جديدة مثل ألمانيا و اليابان وجنوب أفريقيا والبرازيل"، مستدركا "لكن الأمر بحاجة لتغيير في الميثاق وهو ما سيتطلب كثير من الوقت والإجراءات التي تمضي في هذا السياق، وتوافق الدول دائمة العضوية مجتمعة على مقترحات الإصلاح".