الأيديولوجيا خطر على الفرد قبل المجموعة، واعتناق الأفكار الجاهزة من دون فصل وجهة النظر عن الحقيقة خطأ فادح.
حين تجد متعلماً أو مطلعاً، ينغمس في براثن الأيديلوجيا وينحاز إلى آراء سطحية نصرة لفكرة انتمى إليها، تتعجب من قدرة ذلك الانقياد في قلب الموازين وتغيير الحقيقة، حتى وإن كانت جلية واضحة كالشمس، فما الذي يجعل المؤدلجين يسخفون من عقولهم ويتبعون عواطفهم لأجل نصرة فكرة أو جماعة أو حتى حزب، وهل هم فرحون حقاً بتلاشي الشخصية الواعية وفقدان الاتزان العقلي وتعطيل التفكير المنطقي في النظر إلى الأمور لأجل إرضاء الأيديلوجيا ؟.
الأيديولوجيا منظومة فكرية مبنية على دمج الفكرة بالعاطفة وتعزيز المسلمات والأسس التي تتخذها الجماعات منطلقاً ومنهاجاً، والمؤدلج غير قادر على الاحتكام للعقل، كالآلة المبرمجة لا يمكن تغييرها إلا من خلال الإعدادات التي في هذه الحالة يمسك بزمامها المرشد أو صاحب الفكرة الأساسية، ما يجعل الفرد محروما من كل روح نَقدية وغير قادر على إبداء رأيه إلا بعد الرجوع إلى مصدر الفكرة، مسلماً عقله إلى جماعة ضيقة تزرع الأفكار بشكل بطيء وتربيه على منع مراجعة أفكاره حتى يتشرب على أحادية الفكر والانغلاق، فما يلبث إلى أن يتحول إلى شخص غير موضوعي متوهم جعل نفسه في قالب ضيق يحسبه وسطيا فسيح الآفاق .
ولا شك أن الآيديولوجيا تعطي المنتمي إليها شيئاً من الارتياح الوقتي، حيث يشعر أن المسؤولية على المجموع، وأن الصواب لا يمكن أن يجانبه، لكن في المقابل يؤدي ذلك إلى ضياع الفرد ووقوعه أسيراً لفكر حزبي أو مذهبي أو طائفي .
والحقيقة أن الانتماء إلى فكرة والقتال لأجلها، من دون النظر إليها بحيادية ومعرفة سلبياتها وإيجابياتها يؤدي بالضرورة إلى الانقياد الأعمى نحو ما يؤيدها ورفض ما يعارضها والاجتزاء على حساب الحقيقة، ولعل أسوأ ما واجهته المنطقة العربية خلال النصف قرن المنصرم، هي تلك الجماعات التي تعتقد أنها تحتكر الحقيقة والتي استغلت ميول أولئك القلة في الانتماء إلى الفكرة، ما جعلهم أداة لتحقيق أهداف تلك الجماعات، يحرضونهم تجاه من شاءوا وقت ما شاءوا كالأوراق التي تبعثرها الرياح في كل اتجاه، مستخدمين العواطف المتطرفة والشعارات العنيفة، والكذب دون إثبات أي شيء .
في الختام.. الأيديولوجيا خطر على الفرد قبل المجموعة، واعتناق الأفكار الجاهزة من دون فصل وجهة النظر عن الحقيقة خطأ فادح، فكيف يمكن التصدي لمثل هذه الأيديولوجيات التي أدت في غالب الوقت إلى حروب أهلية وثورات دموية، وعمليات إرهابية، إلا بتنمية الارتباط بالوطن وتعزيز مكانة العقل النقدي وتحييد العاطفة ومحاربة الأحادية والتحزب والتطرف والكراهية، التي ستنشئ جيلاً واعياً لا يمكن خداعه بسهولة، يتعاطى مع الآراء السياسية والدينية والفكرية على أسس علمية منطقية .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة