زواج القاصرات بجنوب السودان.. ثنائية الفقر والتقاليد
تمثل ظاهرة ارتفاع معدلات انتشار زواج القاصرات بدولة جنوب السودان، واحدة من القضايا التي باتت تؤرق مضجع السلطات الحكومية والمجتمع بأسره.
وتجاوزت الظاهرة مسألة الارتباط بالتقاليد والعادات القديمة كممارسة ثقافية، بعد دخول العامل الاقتصادي المرتبط بعوامل الفقر نتيجة الحرب الأهلية والكوارث الطبيعية التي شهدتها أجزاء واسعة من البلاد.
وتشير أغلب الإحصاءات إلى أن العديد من الأسر باتت تدفع بناتها للزواج في سن مبكر بغرض الحصول على الأبقار والثروة، ومن ثم تحسين أوضاعهم المعيشية المتردية.
وأوضحت بعض المنظمات الدولية أن تصاعد معدلات الفقر والجوع طوال سنوات الحرب الأهلية، أرغم العديد من الأسر على تزويج بناتها القاصرات والحصول على المهر للبقاء على قيد الحياة.
يقول ميان دينق، أحد قيادات الإدارة الأهلية بولاية جونقلي، إن مسألة تزويج الفتيات في سن مبكر أصبحت واحدة من المشاكل التي عجزت الإدارة الأهلية عن التعامل معها، لأن الأسرة هي التي تختار الزوج لبنتها دون رغبتها، ويتم ذلك مقابل اتفاق للحصول على الأبقار.
ويضيف لـ"العين الإخبارية": "حين نقول لهم إن الفتاة لم تبلغ بعد سن المسؤولية، يأتي ردهم بأنهم قاموا بتربية البنت لغرض الزواج، وإنهم بحسب التقاليد يعيشون على بناتهم وما يأتي لهن من مال من خلال الزواج".
ويطالب دينق السلطات الحكومية بتوفير الضمانات القانونية التي توفر الحماية للفتيات من خلال تفويض الإدارات الأهلية للتدخل لوقف تلك الزيجات المبكرة.
والأسبوع الماضي، طالبت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) السلطات الحكومية بدولة جنوب السودان بالتدخل لوقف زواج القاصرات بالبلاد.
ويأتي ذلك بعد أن وثقت المنظمة أكثر من 38 حالة زواج لقاصرات بولاية شمال بحر الغزال، مشيرة إلى أن أكثر من ثلث الفتيات القاصرات يتعرضن للحمل قبل بلوع سن الـ15 عاما.
وقال ريتشارد رواتي، مسؤول الاتصال بمكتب الـ(يونيسيف) بجنوب السودان، إن هناك مسؤولية مشتركة تقع على قيادات المجتمع والسلطات الحكومية لحماية القاصرات من الزواج المبكر.
وأضاف رواتي، في تصريحات للصحفيين بجوبا: "زواج القاصرات من أبشع الجرائم التي تمارس ضد الأطفال في هذا البلد، لذلك نطالب جميع أصحاب المصلحة في الحكومة والشركاء المجتمعيين بالتدخل لوقف هذه الممارسات الخاصة بتزويجهن في عمر مبكر".
من جانبها تقول يار أجاك نقور، البالغة من العمر 31 عاما، إنها لن تنسى كيف تم إرغامها على ترك الدراسة وهي لا تزال بعد في الـ16 من عمرها، لتتزوج رجلا لا تربطه بها صلة، بسبب أن أسرتها اتفقت معه على دفع حوالي 60 رأسا من الأبقار مقابل زواجها.
وتضيف نقور لـ"العين الإخبارية": "لا زلت أعاني من الأثار النفسية لذلك الزواج، لقد كنت ضحية لمجتمع كامل ينظر للزواج كمسألة استثمار ليس إلا، لقد توفي ذلك الزوج وترك لي عبئا كبيرا، لا أحد يقف بجانبي من الأسرة التي وزعت الأبقار فيما بينها، ولا أحد يلتفت منهم لمعاناتي".
وتطالب نقور السلطات الحكومية، خاصة في الولايات، بالتدخل الصارم لوقف الزواج المبكر للفتيات اللائي يتم التعامل معهن كمجرد سلع، مشيرة إلى أن هناك صمت مجتمعي كبير على تلك الجرائم التي تتم باسم التقاليد والعادات.
وبحسب إحصاءات المنظمة الأممية لرعاية الطفولة، هناك نسبة 58% من الفتيات يتعرضن للزواج قبل بلوغ سن الـ 18، مما يحرمهن من حقوقهن الأساسية للطفولة.
من جهته، قال الناشط المدني وعضو جمعية جنوب السودان للسلام والمصالحة، تشارلز ديفيد، إن زواج القاصرات أصبح واحدة من الأزمات القومية التي تتطلب من الحكومة وتنظيمات المجتمع المدني وضع استراتيجيات متكاملة لمعالجتها اجتماعيا واقتصاديا.
ويضيف لـ "العين الإخبارية": "مسألة زواج القاصرات تتطلب وجود استراتيجية متكاملة، تتجاوز التشريعات النظرية لوضع المعالجات الجذرية من خلال مخاطبة مشاكل الفقر والأمية، فتلك هي الأسباب الرئيسية التي تقف وراء الظاهرة التي بدأت في الانتشار بمعدلات مخيفة جدا في الآونة الاخيرة".
ويستكمل تشارلز ديفيد حديثه بالقول، إن تلك الممارسات المرتبطة بتزويج القاصرات في جنوب السودان، تعد انتهاكا جسيما لحقوق النساء في جنوب السودان، ويجب تجريمه ومحاربته في الإطار الاجتماعي من خلال فضخ تلك الممارسات والقائمين عليها إعلاميا.
والعام الماضي، دعت وزيرة النوع والطفل والرعاية الاجتماعية، آية بنجامين واريلي، إلى "طرح المزيد من الآليات لإنهاء أزمة زواج القاصرات".
وقالت: "الحكومة تعهدت بوقف هذه الانتهاكات بحلول عام 2023، حيث بدأت خطة العمل الوطنية لوقف زواج الأطفال في عام 2017".
وأشارت إلى أن "أكثر من 50% من النساء في جنوب السودان تزوجن قبل بلوغ 18 عاما".
ووضعت الحكومة قضايا حماية الطفل، والمساواة الجنسية، وتمكين المرأة، ضمن أولوياتها في الدستور الانتقالي لعام 2011، كما نص قانون الطفل الذي أقر عام 2008 بمنع زواج الأطفال، وتضمن المادة 17 من دستور جنوب السودان للنساء والفتيات الحق في الموافقة على الزواج.
aXA6IDE4LjE5MS4xMjkuMjQxIA== جزيرة ام اند امز