جنوب السودان.. الغلاء وتدني الأجور يسرقان فرحة الأعياد
في ظل الغلاء وتدني الأجور، لا يكاد المواطنون في "جوبا" عاصمة دولة جنوب السودان، يستشعرون بشريات احتفالات أعياد الميلاد المجيدة.
وتمضي هذه الأيام دونما أي ترتيبات تذكر لاستقبال الأعياد، كما كان عليه الحال في الأعوام السابقة، لتضاف إلى سجل أمنيات المواطنين، أمنية جديدة تتعلق بالرخاء وتحسن الحال، إلى جانب الأمنية المتجددة بأن يحل السلام والاستقرار في البلاد التي أنهكتها الحروب والصراعات، وهي لا تزال دولة فتية حديثة عهد بالاستقلال.
وفي سوق كونجو كونجو التي تمثل السوق الرئيسية بالمدينة تتزين واجهات المحال التجارية بالبضائع الجديدة من كل صنف ونوع، خاصة الملابس والمواد المستخدمة في تجهيز مخبوزات العيد، لكن التجار يشكون من ضعف حركة الشراء في توقيت يعتبر بالنسبة لهم "الموسم الرئيسي" الذي يشهد إقبالا كبيرا من المواطنين للحصول على احتياجات أعياد الميلاد المجيدة.
ويقول حسن حامد، وهو تاجر سوداني، يمتلك محلا لبيع الملابس والمستلزمات الأطفال، إن حركة السوق في هذا العام ضعيفة جدا رغم اقتراب أعياد الكريسماس، ويرى أن السبب وراء ذلك يعود لضعف الرواتب ما يجعل معظم الأسر تنفقها في شراء الاحتياجات الغذائية، وعدم التفكير في شراء الملابس.
ويضيف في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "هذا العام لاحظنا ضعفا كبيرا في حركة الشراء بسوق كونجو كونجو، عكس المواسم الفائتة، وذلك بسبب ضعف الرواتب الحكومية التي لا تكفي لشراء مستلزمات الأسرة الضرورية، فمعظم الناس يقولون لنا إن ما يتلقونه من رواتب لا يكفي لشراء طقم ملابس لطفل واحد، فقد بلغ متوسط أسعار الملابس 20 ألف جنيه (ما يقارب 50 دولارا أمريكيا) في وقت لا تتجاوز فيه الرواتب 10 آلاف جنيه لكبار الموظفين".
وأشار حامد إلى أن أسعار البضائع تحددها الجبايات والضرائب المتعددة التي تفرضها عليهم الحكومة بالإضافة إلى أنهم يدفعون مبالغ طائلة مقابل إيجار المحال التجارية من أصحابها.
وكان رئيس جمهورية جنوب السودان، الفريق أول سلفاكير ميارديت، قد وجه وزارة المالية بزيادة أجور العاملين في القطاع الحكومي بنسبة 100%، إلا أن تلك الزيادات لم تلب طموحات العاملين الذين طالبوا بإعادة هيكلة الرواتب لتتماشى مع أسعار السوق.
ويقول ديفيد مجاك، وهو موظف في درجة وظيفية عليا بوزارة التعليم، إن راتبه في السابق كان عبارة عن 5 آلاف جنيه جنوب السودان، وبعد الزيادات التي قررها الرئيس وصل إلى 10 آلاف جنيه (حوالي 25 دولارا أمريكيا)، وهو لا يكفي لتوفير الاحتياجات الضرورية لأسرته الصغيرة.
ويضيف في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "هذا العام لا نفكر في شراء مستلزمات العيد، سنكتفي بملابسنا القديمة، وسأشتري لطفلي من سوق الملابس المستعملة، فقد كنا نتوقع أن تتحسن رواتبنا، لكن الأمر زاد سوءا بعد الزيادات الطفيفة، فالتجار قاموا بزيادة أسعار البضائع نتيجة تلك الزيادات".
ورفض موظفو الخدمة المدنية بولاية جونقلي تسلم رواتبهم بالزيادات الجديدة، وقاموا بتسيير مواكب احتجاجية داخل مدينة بور، عاصمة الولاية، مطالبين بمراجعة الأجور وإعادة هيكلتها بما يتماشى مع أوضاع السوق.
وتقول مارسا جيمس، ربة منزل، وتعمل بوظيفة عمالية في وزارة الإسكان بالعاصمة جوبا، إنها لا تفكر في الذهاب إلى السوق بتاتا فراتبها لن يشتري لها أي شيء، إذ وصل ما تتقاضاه في الشهر بعد الزيادة إلى 3 آلاف جنيه، وهو أقل من ثمن وجبة واحدة في أبسط المطاعم داخل جوبا.
وتضيف في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "هذا العام لم نستطع التجهيز للعيد، فقد كنت أتوقع أن تتحسن رواتبنا بعد أن سمعنا أخبار الزيادات، لكن صدمنا بما وجدناه في الواقع، فكيف أستطيع دخول السوق وأنا أحمل 3 آلاف جنيه. سأذهب إلى الكنيسة بملابسي القديمة، وأدعو الرب أن يصلح من أوضاعنا وأن يعطينا خبزنا يومنا".
وتأخرت رواتب الموظفين الحكوميين هذا العام لأكثر من ستة أشهر، حيث قامت الحكومة بسداد رواتب شهرين فقط بالزيادات الجديدة، ووعد وزير الإعلام مايكل مكوي لويث بسداد المتأخرات لاحقا بسبب عدم قدرة الحكومة على سداد المتأخرات وتطبيق الزيادات في آن واحد.
ويرى محللون اقتصاديون أن فشل أطراف اتفاق السلام في الحكومة والمعارضة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي نصت عليها اتفاقية السلام هو الذي قاد إلى ارتفاع معدلات التضخم واستشراء موجة الغلاء الفاحش بسبب الضرائب الحكومية المتعددة، وغياب الرقابة والدعم الإقليمي والدولي للمؤسسات الاقتصادية.
ويقول دينيس فاول، الصحفي والمحلل الاقتصادي لـ"العين الإخبارية": "عدم التزام الأطراف الموقعة على اتفاق السلام بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية هو ما قاد إلى إحجام المجتمع الدولي والإقليمي عن مساعدة جنوب السودان خلال الفترة الانتقالية، لذلك استمر الحصار والعقوبات، وارتفعت معدلات التضخم، مما تسبب في غياب الرواتب الحكومية وتأخرها لأكثر من 6 أشهر، وهو وضع لن ينصلح إلا من خلال تبني سياسات منفتحة، فأحوال الناس لن تنصلح من غير التزام حقيقي بتنفيذ اتفاق السلام".