البطالة والفقر في العراق.. كابوس يطارد أحلام الباحثين عن فرصة للعيش
يرابط مصطفى منذ نحو عام أمام المدخل الأمامي لوزارة النفط وسط بغداد، متخذاً من خيمة مهترئة ملاذاً للاعتصام عله يجد من يسمع مشكلته
يحلم مصطفى بإيجاد فرصة عمل له، وهو على أعتاب الـ30 عاما، قضى ردحاً من هذه السنوات ليحصل على شهادة الماستر في هندسة البترول.
عند المساء، يبدأ مصطفى ومجموعة من زملاء له تجمعهم "الخيام والبطالة"، بالانسحاب من الشارع الرئيسي إلى سرادق يقع قبل مبنى الوزارة، لالتقاط الأنفاس بعد نهار طويل استهلك أصواتهم بالهتافات والمطالبات الرامية لإنقاذ أعمارهم اليافعة من التآكل.
شابٌ بشهادة جامعية، هو واحد من آلاف يتوزعون في أكثر من مكان عند أبواب المؤسسات الحكومية للتظاهر والبحث عن فرصة عمل تحرك شهاداتهم العاطلة كما يقول مصطفى.
يتحدث مهندس البترول إلى "العين الإخبارية "، عن رحلته الاحتجاجية التي شارفت على دخول عامها الثاني، فيقول: "الأغلب يغبطوني على تخصصي وتحصيلي الدراسي ولا يعلمون أني لا أملك معيشة يومي.. أحلام المقاعد الجامعية وأنا اناقش رسالة الماجستير باتت كوابيس".
عند ممرٍ وسط الشارع تحتضنه الأشجار، تقف فتيات متناثرات على طول الرصيف تلتقي مطالبهن مع شباب الخيام بالبحث عن فرصة عمل. سجى، الحاصلة على شهادة الماجستير في الفيزياء كانت تلوح الى أحد الشباب بشيء ما وكأنها تحتاج منه وقتا مستقطعا للنقاش حول قضية ما. فيما اتضح أنها خطيبة مصطفى وشريكته في المستقبل المجهول .
انعدام فرص العمل في القطاع الخاص وتعقيدات الأوضاع الاقتصادية في البلاد الغاطسة بالديون والأزمات المستعصية رغم غناء تربتها وتنوع ثرواتها، يفرض على العاطلين من أصحاب الشهادات ملاصقة الأرض وعدم المغادرة حتى يجدوا من يضع هامشاً على أوراق طلبات تعيينهم بحسب ما يقول عاطلون عن العمل عند خيمة مجاورة على بعد أقدام من المكان الذي يرابط فيه مصطفى .
يقول سامر وهو شاب عشريني يحمل شهادة البكالوريوس في هندسة الإنشاءات المدنية، إنه عمل في مهن مختلفة منذ تخرجه من الجامعة قبل 4 سنوات، بينها بيع الخضروات وسائق "ستوتة" (دراجة نارية بحوض ناقل) لكن جميع محاولته انتهت دون مردود مادي يرفع عنه عناء المعيشة.
هؤلاء ليسوا وحدهم العاطلين عن العمل فهناك جيوش أخرى، تمر أيامهم تحت وطأة العوز دون أن يجدوا فرصة عمل تحفظ البطون من الجوع أو تحمي من الانزلاق نحو الانحراف.
فيما ترجح أوساط مختصة أن ترتفع معدلات البطالة ونسب الفقر في العراق خلال السنوات القادمة رغم وصولها إلى نسب مخفية للأعوام الـ3 الأخيرة .
وبحسب آخر الإحصائيات التي أصدرتها وزارة العمل الاجتماعية في نهاية الشهر الماضي، يبلغ عدد العاطلين عن العمل في العراق نحو 1.6 مليون، بفئات مختلفة، بينهم 10 آلاف من حملة الشهادات العليا .
وتقول أحرار زلزلي، المتحدثة باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن الوزارة تقدم رواتب شهرية لأكثر من 1.4 مليون عائلة مصنفة تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات وقاعدة بيانات معدة من قبل وزارة التخطيط "، منوهة في الوقت ذاته، إلى أن "تلك الأجور ورغم تدني قيمتها، لكنها تسهم في تخفيف الفقر والعوز لدى الشرائح المستفيدة من ذلك الأمر".
ووفقاً لإحصائيات أممية، فإنّ أكثر من 45 ألف شخص يتخرجون سنوياً في الجامعات والمعاهد بالعراق، وفي سنة 2019 وحدها كان هنالك نحو 50 ألف خريج، وتم تعيين نحو 2000 فقط من هذا العدد.
وكان المتحدث باسم رئيس الوزراء، احمد الملا طلال، أكد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الحكومة غير قادرة على توفير أي فرصة تعيين .
ويرى مراقبون ومختصون في القطاع الاقتصادي والتنمية البشرية، أن السياسات الخاطئة للحكومات العراقية المتعاقبة على السلطة ما بعد 2003، ساهمت في ارتفاع نسب البطالة ودفع شرائح اجتماعية مهمة من الشباب إلى خيار الانتماء الحزبي والانخراط في المليشيات للخلاص من كابوس العجز القسري .
ويلفت سعد محمد، وهو باحث ومختص في رعاية الكوادر الشبابية، إلى أن "الطبقة السياسية في العراق تعاملت مع فرص التوظيف كمكاسب حزبية لتوسيع قاعدتها الجماهيرية والاعتماد عليها عند المواسم الانتخابية بإطلاقها على شكل هبات شخصية "، مستدركاً بالقول خلال حديثه لـ"العين الإخبارية": "الشرائح الاجتماعية المختلفة من الأجيال المتلاحقة تدفع ثمن متاجرة وفساد القوى السياسية بالموارد العامة".
الباحث الأكاديمي والخبير الاقتصادي، ميثم لعيبي، يعلل أسباب ارتفاع البطالة في العراق إلى جوانب عدة تقع ما بين السياسة والأمية المؤسسية في إدارة الموارد، مشيراً إلى أن "ارتفاع أعداد العمالة الاجنبية في البلاد، يسهم في شكل كبير في هدر الموارد البشرية وخصوصاً الشرائح المهمة من أصحاب الشهادات والمهن ".
وتصل أعداد العاملين الأجانب في العراق، والذين غالباً ما يستقدمون من الدول الآسيوية الفقيرة، إلى نحو مليون شخص بحسب إحصائيات رسمية صادرة من مؤسسات حكومية عراقية.
وكشفت وزارة التخطيط في وقت سابق، ارتفاع نسب البطالة في العراق إلى نحو 40% بعد عن كانت في العام 2019، تصل إلى 22%، عازية أسباب ذلك إلى الظروف التي رافقت انتشار وباء كورونا في البلاد .
وأطلقت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، منصة "توظيف" ضمن برنامجها الرامي لتقليل البطالة في العراق وتوفير فرص عمل في القطاعين العام والخاص.
ويبلغ عدد العاملين في المؤسسات الحكومية العراقية، نحو 7 ملايين موظف في حصيلة هي الأعلى بين دول المنطقة، مما تسبب في إنفاق نحو 70 % من الموازنة المالية السنوية كرواتب وأجور .