نعم، أقصد ما أعنيه، نعم ستقرأ اليوم مقالا غير ذي أهمية، لأنه ضد صناعة الرأي والفكر والسياسة في منطقتنا العربية.
هل تريد أن تقرأ وتسمع بعض ما عندي من عدم أهمية، أم الأفضل أن تستمر في حياتك ولا تضيع دقائق من وقتك؟
إذا كان جوابك "نعم"، لا تعلق ولكن اسمع مني، وإذا لم يعجبك، تجاهل واسخر من كلامي في ضميرك، دون أن ترفع صوتك وتجرح مشاعري.
أسألك بالله، كيف تقيّم خبرا ما عبر أمامك في الإعلام؟ هل لأنه يخص أحدا من أسرتك أو مواطناً من بلدك؟، أو قضية قومية أو دينية ترتبط بها؟، أو نشاطًا أو هواية تتعلق بها؟، جوابك مهم في هذه الجزئية، لأنه مرتبط بالجزء الآخر من السؤال.
قبل أن تفكر في الجواب على هذه الجزئية، دعني أوجه نظرك إلى بعض الأحداث التي شغلت العالم، وأريد منك أن تقيّمها في الميزان الذي ذكرناه أعلاه، ماذا تصف ذلك الاهتمام الإعلامي الكبير والمدهش بخبر سقوط طفل مغربي في بئر؟، وبالمقابل، فتورا إعلاميا عن تغطية خبر طرد آلاف اللاجئين السوريين من لبنان ورميهم على الحدود السورية، أطفال ونساء وكبار السن، ومن المتوقع أن يكون مصيرهم مجهولا، لأنهم مطلوبون لدى النظام السوري؟.
في الحدث الأول، اهتمام إعلامي كبير لطفل واحد والحادثة عرضية، وفي الحدث الثاني، آلاف الأسر، والفعل منظم وأمام نظر الجميع، وهو عمل همجي ولا إنساني، والمصير مروّع ومجهول، ولا توجد أية تغطية إعلامية، لماذا يا ترى؟.
تسليط الضوء على الحدث الأول المقصود منه طمس الاهتمام عن أحداث أخرى أخطر وأهم يُراد بها أن تمر دون ضجيج يذكر، ولعل كثيرين تناسوا أن قبل حادثة ريان المغربي بيومين، كان هناك خبر اغتيال زعيم تنظيم داعش الإرهابي، وهي أداة مصطنعة قامت بدور مدروس ومخطط له، ثم التخلص منه وإغلاق ملفه بصمت لأن عملية اغتياله جرت بتفجير راح ضحيته عشرات المدنيين من الأطفال والنساء، ويُراد من العالم عدم الخوض في تفاصيل عملية الاغتيال وموت الأطفال والنساء، بل لفت نظر العالم إلى حادثة سقوط طفل في بئر في المغرب.
أما الحدث الثاني، فقد تزامن مع اهتمام إعلامي بمناوشات إيرانية إسرائيلية، ومن المهم للغرب أن يسلط الضوء على تلميع سمعة إيران عالميا، وبالتالي الضمير الإنساني لا ينبض إلا أمام كاميرا الإعلام، هل فهمتم كيف ينبض الضمير الإنساني؟، يمكن أن ينبض الضمير العالمي أمام الكاميرا بإنقاذ قطة وكلب من أكوام الثلج في السويد، وربما لا ينبض على قتل عشرات أو مئات من البشر خلف الكاميرا، الضمير ينبض أمام الكاميرا فقط!، ضعوا تحت هذه العبارة مليون خط أحمر.
الحرب والمعاناة في غزة كانت مصورة وأمام كاميرات الإعلام ولذلك أيقظت الضمير العالمي وحشدت لها المسيرات والمظاهرات في كل عواصم العالم، واهتم لها الإعلام العالمي اهتماما كبيرا وغير مسبوق.
هل سألنا أنفسنا لماذا؟، لماذا اهتم الإعلام وركز على الأحداث وكما هو معلوم لدينا أن إعلام الدول الغربية يتبع سياسة دولهم، وبما أن دولهم تدعم إسرائيل، فلماذا سلطوا الضوء على معاناة أهل غزة؟، هل صحى الضمير لديهم فجأة؟ أم هل تمردوا على ساساتهم؟ أم هل لهذا الاهتمام الإعلامي بُعد آخر لم نفهمه بعد؟.
حتى لا نطيل الحديث، هل سمعتم خلال حرب غزة حديثا أو لقاء أو اهتماما إعلاميا غربيا برئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن أو أي اهتمام إعلامي في الضفة الغربية؟ لم يحدث، لماذا؟ سأخبركم قليلا بخبايا الضمير الغربي الذي ينبض أمام الكاميرا، أولا: تعاطف الغرب مع أهل غزة على وجه الخصوص وليس أهل فلسطين عموما، وقد رُفعت لافتات باسم غزة فقط، تعرفون لماذا؟ حتى يتعاطف أهل غزة وحدهم مع الضمير الغربي الذي صحى فجأة وتعاطف معهم، وبعد أن ينتهي الإسرائيليون من غزو غزة والسيطرة عليها، ستفتح القنصليات الغربية باب اللجوء لأهل غزة بالذات تعاطفا مع معاناتهم، وسيساهم الغرب خبثا في تفريغ أهل غزة لصالح سيطرة إسرائيل على كامل غزة وضمها من جديد.
من ساعد إسرائيل على تنفيذ أجنداتها؟ ليس الغرب وحده الذي واجبه فقط التعاطف وتفريغهم كلاجئين مثلما مهّد للسوريين لتفريغهم لصالح سيطرة إيران، بل "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" أيضا كانت طرفا مساعدا، النظام "الذي زرعه الغرب ويتخادم معه".
في أثناء "عملية 7 أكتوبر"، أفرجت الولايات المتحدة عن المليارات من الدولارات لصالح النظام الإيراني كمقدم أو عربون للصفقة ومن ثم، عند انتهاء المهمة، قامت واشنطن بتلميع سمعة إيران بأن سمحت لها بإطلاق مسيرات إيرانية معدومة التأثير باتجاه إسرائيل، حتى تستمر العلاقة وتستمر طهران في خدمة المشروع الإسرائيلي الغربي.
تتذكرون الفيلم السينمائي لحرق تنظيم داعش الإرهابي للطيار الأردني البريء؟ ماذا أراد الإعلام من الرسائل أن يوصلها لنا في تلك الأثناء؟ كذلك على النقيض، خطبة البغدادي على منبر جامع النوري في الموصل ودخوله إلى المدينة دخول الفاتحين أمام الكاميرات الغربية بتصوير سينمائي وإخراج هوليوودي، ماذا أراد الغرب أن يوصل لنا من رسالة؟ هل كانت كل تلك الأفلام أوراق ضغط على الخصوم واللاعبين في المنطقة ولعبة سياسية كبرى وصلت إلى التمهيد لإيران أن تتحكم بكل بلاد الشام وتأمن المنطقة لصالح إسرائيل؟ أليس هذه هي النتيجة التي نشاهدها اليوم؟ أين اختفى تنظيم داعش الذي جعل منه الإعلام بعبعا سيطر على العراق والشام يوما، ومن ثم ذاب مثل فص الملح؟
هذه مخططات كبرى منحت نفوذا كبيرا لإيران على المنطقة، ولولا تساهل وتسهيل الغرب لها، لما وصلت إلى حدود إسرائيل وتأمينها من العرب المسلمين!!!.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة