يعدّ عام 2020 من أكثر الأعوام تأزّماً في القرن الحادي والعشرين على المستوى العالمي.
لا سيّما في المنطقة العربية التي تعيش أزمات دامية وكارثية على المستويات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة وحتى الصحيّة على أثر جائحة "كوفيد- 19" كورونا، ولكن على الرغم من كلّ هذه العقبات التي أصابت معظم دول العالم بالشلل والاضطراب؛ فإنّ الإمارات العربية المتحدة استطاعت تجاوز كلّ ذلك بعجلة الإنجازات التي لم تتوقف، بل على العكس ربما كانت مثل تلك الأزمات مدعاةً لفتح أبوابٍ جديدةٍ في مسيرة التطوير والتنمية، ويمكن استعراض غيضٍ من فيض تلك الإنجازات العربية الإماراتية على عدّة أصعدةٍ كما يأتي:
أولاً: على الصعيد العلمي والتكنولوجي: تكمن المفارقة هنا بأنّ القطاع العلمي -فيما عدا قطاع الصحة- هو القطاع الأكبر تضرراً على مستوى العالم جرّاء جائحة كورونا، إلا أنّ هذا لا ينطبق على دولة الإمارات العربية المتحدة التي حصدت عدة إنجازات خلال هذا العام على الصعيدين العلمي والتكنولوجي، ولكنّ هناك إنجازين عظيمين يجعلان من أيّ إنجازٍ آخر غائباً بحضورهما، يتمثل الإنجاز الأول بتوجّه الإمارات إلى الفضاء الخارجي البعيد المتمثل بإرسالٍ ناجحٍ وبمشاركةٍ للعقول الإماراتية الشابة التي كانت حاضرةً وفاعلةً لمسبار الأملِ في 20 يوليو/تموز 2020، والذي ما زال حتى هذه اللحظة في طريقه الصحيح باتجاه الكوكب الأحمر لاستكشافه، والذي سيصل مدارَه في شهر فبراير من هذا العام، أما الإنجاز الثاني فلا يقلّ أهميةً عن سابقه، ويكمن في سبق الإمارات العربية جميع الدول العربية وحجز المقعد الثالث والثلاثين على سلم التراتبية العالمية في التحول إلى الطاقة النظيفة، وذلك بنجاح شركة "نواة" التابعة لمؤسسة الإمارات للطاقة في صيانة وتشغيل محطة "براكة" للطاقة النووية السلمية، والتي ستوفر ما يقارب 25% من احتياجات دولة الإمارات من الطاقة الكهربائية، ويكمن الإنجاز الأكبر في أنّ 67% من الكادر المشغّل لها من الإماراتيين، وتشكل النساء فيه 40% من مجموع موظفيه.
ثانياً: على الصعيد الصحي: تميزت الإمارات العربية المتحدة خلال الأزمة العالمية لجائحة كورونا بالنجاح التام لاحتواء هذه الأزمة والحدّ من تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، ويظهر جليّاً في كون الإمارات منذ اليوم الأول لاستفحال الجائحة على مستوى العالم قد أخذت خطوات جادةٍ في مواجهتها وتقدير مآلاتها وخطورتها التقدير الصحيح المتناسب مع حجمها، فاعتمدت سياسة ضبط النفس والتوعية المجتمعية بتوجيه قطاعات الدولة السياسية والصحية لاحتواء الجائحة وتقديم الخدمات الطبية والرعاية الصحية لكلّ مواطنٍ ومُقيمٍ دون تهاونٍ وعلى مدار الساعة، إلى جانب إيلاء المؤسسات الإعلامية أهمية خاصة بتوجيه البرامج التوعوية والإرشادية لهذا الوباء وعلى مدار الساعة كذلك، بالإضافة إلى وضع الخطط والبرامج الحكوميّة التي لم تركّز على الجائحة وحسب، بل حتى على منعكساتها وعلى الأصعدة كافة التي تمس الدولة والشعب الإماراتي.
كما أنّ الإمارات العربية لم تتوقف عند هذا الحدّ بل كانت قد وضعت كلّ مقدّراتها السياسية والاقتصادية والعلمية في يد العالم أجمع لمواجهة هذا الفيروس الفتاك الذي يهدّد البشرية بالفناء، وكان من أبرز نتائج تلك الجهود تطوير تقنيّة اكتشاف كورونا بالليزر التي تُظهر النتائج خلال ثوانٍ، ما شكّل قفزةً نوعيّةً في احتواء المرض. كما اعتمدت الإمارات العلاج بالخلايا الجذعية للمصابين، بالإضافة إلى الدخول بقوة على خطّ الجهود العالمية لإيجاد لقاحٍ فعّالٍ ضد المرض، واليوم الإمارات تعدّ من أولى الدول المطبِّقة لبرنامج اللقاح العالمي لكورونا، كما لا يخفى على أحدٍ بأنّ الإمارات من الدول القليلة والمتفردة على مستوى العالم بكونها لم يخرج المرض بها عن السيطرة من جهة، وكونها لم تتعرض للإغلاق التام المُشلّ كما تعرضت له حتى الدول العظمى على مستوى العالم من جهةٍ ثانيةٍ.
ثالثاً على الصعيد الاقتصادي: في ظلّ تخبّط الاقتصادات العالمية ومعاناتها من الكساد والتهديد بالانهيارات تجد الاقتصاد الإماراتي متّسماً بالصعود والثبات في التقدّم المتسارع، لا سيّما أنّ القيادة الإماراتية تسير وهي تضع نُصب عينيها التربّع على العرش العالمي للاقتصاد ورفاهية المواطن الإماراتي، ففي عام 2020 وصلت الإمارات إلى المركز الرابع عالمياً في سلّم نصيب الفرد من منتوج البلاد، فسبقت بذلك حتى "سويسرا" التي يصل نصيب الفرد فيها إلى ما يزيد على أربعة آلاف دولار، أما الإمارات فيزيد نصيب الفرد فيها على ثمانين ألف دولار، كل ذلك يجعل من الإمارات مثالاً واضحاً للسياسة الاقتصادية الناجحة التي تُحتذى، لا سيما وهي تدرك أنّ الركون إلى الثروات الباطنية ليس إلا اقتصاداً مؤقتاً، فوضعت نصب عينيها تطوير الموارد الاقتصادية وابتكارها بدءاً من السياحة والتجارة وليس انتهاءً بالعلم والمعلومات، وكان الإنجاز التاريخي الأهم للإمارات على الصعيد الاقتصادي هو اقتناصها معرض "إكسبو الدولي"، ليكون لأوّل مرة في التاريخ في الشرق الأوسط، حيث ستستضيفه الإمارات في إمارة "دبي" بمشاركة أكثر من 150 دولة من أجل صنع المستقبل، كما حددت الإمارات ذلك شعاراً للمعرض الذي يتوقع استقطابه أكثر من 25 مليون زائر من دول العالم كافة عند انعقاده، والذي تم تأجيله بسبب تداعيات جائحة كورونا على العالم.
كل تلك الإنجازات والهمة العالية التي تسير بها الإمارات متجاوزةً العثرات والعقبات بتحويلها إلى فرصٍ للتطوير والإبداع تجعل من الإمارات العربية المتحدة المثال العالمي الذي يفخر به كل عربيٍّ ومحبٍّ لنهج بناء الأوطان ورفع الرايات خفاقةً على جبين المجد، ولتكون الإمارات بحقٍّ على طريق الخمسين الذي رسمته القيادة الإماراتية التي ترنو إلى المستقبل ببناء الحاضر واستلهام الماضي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة