لهذا السبب، فإن الإمارات ستظل عين ماء وعين عطاء لا يجف ولا يكف ولا يخف، بل يشف بالانتماء إلى العطاء.
للمرأة عينان؛ عين الجسد وعين الماء. في الزمن الجميل ذهبت المرأة للماء بعين الجسد رمت أحلامها عند النبع، ثم حملت الصفيحة متأبطة أنوثتها المقدسة بحشمة التراب النظيف، رابطة مئزرها بقماشة الحياء النبيل، واثبة مثل غزالة برية، ناحتة على الأرض الحصوية خطوات أشبه بنقش الحناء، رافعة نشيد الصحراء عاليا، مثل الهديل.
كانت تقف كتفا بكتف مع الهامة الثقيلة مؤازرة ومساندة ومؤجلة آلام الحمل، وهي ترفل بجمال الطلعة ونبل السجية، ونجابة أهل الإمارات.
هذه هي الإمارات، التي جادت من جود من أجاد في تجويد قراءة الرمل وترتيل ما نسقته العين للعين، حتى أصبحت للعين معينا يعين ولا يستهين ولا يستكين. عين امرأة ضمت تحت جفنها حب الوطن وعين ماء غسلت الأفئدة بعذوبة القطرات، وهي تنفث من دلو البلل الأصيل.
في الطريق من عين الماء، كانت عيناها تشعان ببريق الحلم، ولمعة الطموح بأن يصبح الماء مغزلا يرتب مشاعر الصغار الذين ودعتهم تحت سقف الخيمة تحميهم من المباغتة وتدفئهم من برد الشتاء.
في كل صباح وقبل شروق الشمس كانت المرأة تحدب وتحلب وتجلب الابتسامة لصغار ما فتئوا يتوارون خلف شق تمرة تُعيد للدورة الدموية نشاطها، كانت المرأة تعود إلى البيت وعلى رأسها حطب النار وقلبها يضخ من أشواق النهار لطائر تنتظر عودته كي يملأ فراغ الوعاء الداخلي بكلمات الشكر والعرفان وشيء من غزل الروح، وأطرافها الشفيفة.
تلك المرأة التي رتّبت عش الزوجة، بنفثة عشق وقطرة ماء ورح لا تكف عن الرفيف، وهي تقترب من هزيع الليل، وفي الليل هي المرأة النائمة عند خاصرة الظلام الدامس تتذكر كيف ستغسل في الصباح وجه الصغير والماء لم يزَل يشح في تدبير ما يمكن الكفاية به، تفكر ولكن عين الجسد منصوبة باتجاه عيون الماء، الماء هناك في مكان يبعد مسافة تزيد على سبعة كيلومترات أو أكثر، عن مخدع الصغار، ولكن مهما يكن من أمر الشقاء؛ إلا أن لذة العيش في أن تكون هي الضلع المستقيم في الأسرة تدبر وتسبر وتبسمل دائما، وباسم الذي خلق، بأنها لن تكف عن الوثب على الحصى لتمكن الصغار من العيش بهناء وسعادة، ولتؤكد لرب البيت أنها جديرة بأن تقطف ثمرات من رمل الصحراء من بيداء الحياة، لأنها خلقت لأن تنجب الأمل وتحبل بالطموح وتملأ العين من نبوع العين، وهي ما بين العينين جفن لا يرمش باليأس، وشفة لا ترتجف خوفا؛ لأنها هكذا خلقت لأن تكون النبع الذي لا ينضب، والوجه الذي لا يقضب.
لهذا السبب، فإن الإمارات ستظل عين ماء وعين عطاء لا يجف ولا يكف ولا يخف، بل يشف بالانتماء إلى العطاء.
هذه هي الإمارات، التي جادت من جود من أجاد في تجويد قراءة الرمل وترتيل ما نسقته العين للعين، حتى أصبحت للعين معينا يعين ولا يستهين ولا يستكين. عين امرأة ضمت تحت جفنها حب الوطن وعين ماء غسلت الأفئدة بعذوبة القطرات، وهي تنفث من دلو البلل الأصيل.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة