متمردة وبيروقراطية.. امرأتان والمصير الصعب بأفغانستان

امرأتان من خلفيات حياتية مختلفة؛ إحداهما متمردة والأخرى بيروقراطية، لكن يجمعهما المصير الصعب في أفغانستان.
وقررت إحدى السيدتين السير في ركب طالبان، فيما اختارت الأخرى قتال الحركة المسيطرة على البلاد، وإن جمعهما قرار واحد؛ ألا يغادرا أفغانستان، وفق وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
كريمة ميار أميري (54 عاما)، تترأس إدارة في وزارة الصحة التي تديرها طالبان، وهي بين عدد قليل من النساء اللاتي تمكن من الاحتفاظ بمنصب قيادي في بيروقراطية الحكومة الجديدة، وتعتقد أنه يجب خدمة الأفغان بغض النظر عن هوية الحاكم.
لكن الأصغر منها بعدة سنوات، ريشمين جويوندا (26 عاما) تختلف بشدة مع ذلك؛ وتقول إنه "لا يمكن خدمة النساء بينما تتواجد طالبان في السلطة".
والناشطة الحقوقية جوجوندا هي جزء من شبكة سرية تستهدف محاربة سياسات طالبان القاسية التي تقيد حريات المرأة.
وتمثل السيدتان طيفا واسعا من نساء فضلن البقاء في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان بعدما هرب منها كثر خوفا من العودة للقمع الوحشي في فترة حكم الحركة السابقة "١٩٩٦-2001".
وتحت حكم طالبان الحالي، لا تتمكن النساء في معظم الوزارات من العمل، والفتيات المراهقات محرومات من الذهاب إلى المدرسة.
فيما تتكون الحكومة المؤقتة من رجال فقط؛ الأمر الذي يعمق عدم الثقة تجاه طالبان.
وفي هذا السياق، احتفظت أميري، وهي أم لستة أبناء، بمنصبها الكبير كمديرة إدارة الجودة والسلامة بالوزارة بعد انهيار الحكومة السابقة التي دعمتها الولايات المتحدة.
وحالة أميري نادرة؛ إذ حرمت معظم الموظفات الحكوميات من العمل بشتى الحقائب الحكومية عدا الصحة.
وتتواجد أميري بالمكتب منذ التاسعة صباحا لإدارة فريق مكون من خمسة أفراد، ويوميا تقريبا تلتقي مع رؤسائها الذين عينتهم طالبان لمراجعة خطط العمل والتصدي لانتشار الأمراض من فيروس كورونا المستجد إلى حمى الضنك.
وقالت المسؤولة بوزارة الصحة: "لم يكن قرار البقاء صعبا بالنسبة لي. عندي إدارتي الخاصة. وإذا طلبوا خطة، سأقدمها"، مضيفة "تريد قيادة طالبان مني العمل معها، وأنا مستعدة. طالما أتمتع بصحة جيدة، سأعمل من أجل شعبي، ووطني."
على الجانب الآخر، تدرس جويوندا في آخر فصل دراسي لها في تخصص الاقتصاد بجامعة الزهراء في طهران. واختارت البقاء بالعاصمة كابول والدراسة عن بُعد، بعد سيطرة طالبان على البلاد في أغسطس/آب الماضي.
وتتجمع الكتب الدراسية على مكتبها، لكن يقاطع تركيزها اهتزاز هاتفها، الذي يستقبل رسائل عبر تطبيق "واتسآب"، يقترح فيها نشطاء حقوقيون شعارات التظاهرة التالية.
ومثل العديد من الشابات اللاتي نشأن بعد الغزو الأمريكي عام 2001، تبددت أحلام جويوندا بين ليلة وضحاها بعد وقوع كابول في أيدي طالبان وتعزيز الحركة سيطرتها على البلاد.
وغادر كثير من أصدقاء الشابة الأفغانية البلاد، لكنها قالت: "لن أغادر أفغانستان أبدا. يتعين علي البقاء وإحداث تغيير".
واختارت جويوندا البقاء، تماما مثلما فعلت أميري، لكن الأهداف متباينة، إذ اختارت الأخيرة مسارا مختلفا، فبعد ثلاثة أيام من سيطرة طالبان على العاصمة، عادت إلى مكتبها للمساعدة في تلبية الحاجة المتزايدة بقطاع الصحة المتداعي.
وطلبت أميري من مسؤولي طالبان دمج إدارتها مع إدارة أخرى لتحسين الجودة، فوافقوا على الطلب.
وعندما حاول حارس من طالبان تفتيش حقيبتها أمام بوابة الوزارة في إحدى المرات، رفضت وطلبت تعيين غرفة منفصلة لتفتيش الإناث، واستجابوا لذلك.
وبصفتها خريجة جامعة كابول الطبية قبل 31 عاما، عملت أميري بوزارة الصحة منذ 2004.
وخلال فترة عملها، مر عليها خمس وزارات صحة، وقالت: "لماذا يجب أن تكون طالبان مختلفة؟"، متابعة: "الصحة ليست (مسألة) سياسية."
لكن بالنسبة لجويوندا، الحياة لن تكون كما كانت أبدًا، واستغرق الأمر منها أسابيع طويلة حتى تتعافى من صدمة سيطرة طالبان على البلاد.
واستفادت عائلة جويوندا المكونة من 11 فردا بشكل كبير بعد الغزو الأمريكي، حيث تمكنت هي وشقيقاتها الأربعة من دخول المدرسة، وشغل والداها مناصب برواتب جيدة في الحكومة، وكانت في طريقها لأن تصبح خبيرة اقتصادية.
وكانت الشابة على بشأن مظاهرة نسائية يجري تنظيمها أمام سفارة باكستان في كابول في سبتمبر/أيلول، وقصدت المكان بالفعل، لكن ظهرت وحدة أمنية تابعة لطالبان بمجرد وصولها، واضطرت المجموعة للتفرق.
لكنها وقفت وحيدة، وهي تحمل في يديها لافتة مكتوب عليها "التعليم حق"، ورددت بينها وبين نفسها "أنا قوية، هم الضعفاء"، حسب قولها.
وبصفة عامة، تأثرت حياة المرأتين بالتاريخ المضطرب لأفغانستان، إذ كانت أميري طبيبة نسائية في ولاية وردك، أحد معاقل طالبان في التسعينيات عندما كانت الحركة في السلطة.
وقالت عن هذه الفترة "خلال هذا الوقت، ذهبت إلى المستشفى وعالجت المرضى، وولدت أطفالا، وأجريت عمليات جراحية، ثم أعود إلى المنزل. كانت تلك حياتي".
وفي 2021، عادت الطبيبة إلى نفس التكتيك، فبعد الساعة 3:30 مساء تغادر مكتبها وتعود مباشرة إلى منزلها في كابول لقضاء الوقت مع أطفالها وأحفادها.
أما طفولة جويوندا فشهدت تمرد طالبان خلال السنوات التي تلت غزو الولايات المتحدة، وشاهدت النيران تحرق مباني كاملة بعد الضربات الصاروخية والقصف.
ورغم توقف القنابل تستمر حرب جويوندا من أجل حقوق النساء.
aXA6IDE4LjIxOC44My4xNDMg جزيرة ام اند امز