الضربة الأمريكية على حدود سوريا والعراق.. التوقيت والدلالة
تحت عنوان "نمهل ولا نهمل" جاءت الضربة الأمريكية على الحدود السورية العراقية كرد قوي وحازم على الاستهدافات الإيرانية المتكررة لمصالح الولايات المتحدة بالمنطقة.
ووفق محللين سياسيين تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، فإن الضربة الأمريكية اليوم، جاءت لطرد الأوهام من عقول طهران ومارست عليهم نوعاً من الصدمة التي تفرض على إيران مراجعة حساباتها والتفكير جيداً بنتائج أي تصعيد جديد.
وأشاروا إلى أن المليشيات المسلحة اعتقدت أن الولايات المتحدة تعيش انكفاءً وتراجعاً كبيراً في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن لذا تمادت في التصعيد والتكتيك المتبع في شن الهجمات.
وأكدوا أن الضربة الأمريكية وهي الثانية من نوعها خلال عهد بايدن، كانت أشد وقعاً من سابقتها التي استهدفت مواقع للمليشيات الموالية لإيران عند المنطقة الفاصلة بين سوريا والعراق في 26 من فبراير/شباط الماضي.
القصف الجوي الأمريكي الذي نفذ، اليوم الإثنين، دمر أماكن عملياتية تضم أسلحة ومواقع خلفية تستخدمها تلك المليشيات للتخطيط وشن الهجمات المتكررة على مقار الولايات المتحدة في العراق وأماكن وجود التحالف الدولي.
وأظهرت مقاطع فيديو مصورة، اطلعت عليها "العين الإخبارية"، جثثا تعود لمليشيا الحشد، كانوا قد سقطوا بالقصف الصاروخي، داخل غرفة لم يتسن التعرف على وصف وطبيعة مكانها، وإلى جانبهم عناصر تابعة لتلك الفصائل وهم يتفحصون الأجساد والوجوه.
استفزاز إيراني
وجاءت الضربة الجوية الأمريكية بعد 6 هجمات بطائرات مسيرة نفذتها مليشيات تابعة لإيران ضد أهداف أمريكية في العراق، بدأت منذ أبريل/نيسان الماضي.
وعقب التكتيك الجديد بدخول طائرات "درون" في تنفيذ تلك الهجمات، عبر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم من خطورة الموقف والتصعيد الذي تعتمده تلك المليشيات المدعومة إيرانياً.
وفي مايو/أيار الماضي، كشفت منصات إعلامية أمريكية عن خيارات مطروحة من قبل الرئيس جو بايدن في الرد على الهجمات المسيرة التي تستهدف مصالح واشنطن في العراق.
وعشية أول هجوم من نوعه بطائرة مسيرة في أبريل/نيسان الماضي، استهدفت مطار أربيل قرب قاعدة عسكرية تضم العديد من القوات الأمريكية، هددت واشنطن بالرد إذ لم تقم السلطات العراقية بتأمين وجودها.
وكانت القنصلية الأمريكية في أربيل، أطلقت قبل شهر، مكافآت مالية كبيرة، وخصصت أرقاما لمن يدلي بأي معلومات تساعد واشنطن على الوصول إلى الجهات التي تقف وراء الهجمات المتكررة.
للصبر حدود
ومع التحذير من خطورة الموقف والذهاب نحو التصعيد، لم ترتد تلك المليشيات عن مواصلة هجماتها بالطائرات المسيرة، فيما كانت واشنطن تؤكد تحفظها على الرد إذا ما استمرت تلك الاستهدافات.وصعدت حكومة مصطفى الكاظمي وكادت بغداد تتفجر في الـ23 من الشهر الماضي، بعد اقتحام مسلحين للمنطقة الرئاسية تقلهم عجلات رباعية الدفع، رداً على قيام قوة أمنية باعتقال القيادي البارز في مليشيا "الحشد الشعبي"، قاسم مصلح، الذي وجهت له اتهامات إرهابية بمهاجمة القوات الأمريكية والتورط في قتل المتظاهرين.
ورغم إطلاق سراحه بعد 10 أيام، فإن المليشيات المسلحة التي تتلقى أوامرها من طهران، رأت في عملية اعتقال أحد قياداتها تجرؤا حكوميا على حصون مليشيا الحشد، متوعدة بالتصعيد ضد حكومة الكاظمي والمصالح الأمريكية.
وفيما كان العراق يستعد لاستقبال القمة الثلاثية التي انعقدت، أمس الأحد، في العاصمة بغداد، كانت مليشيا "الحشد"، تجري استعراضاً حاشداً في محافظة ديالى، كشفت فيه عن مدرعات وعجلات إيرانية الصنع.
وذهب بعض المراقبين إلى ربط مظاهر الاستعراض وتوقيتاته بالقمة التي تجمع العاهل الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، في محاولة منها للتقليل من أهمية الحدث ولفت الانتباه لما تمتلكه من قدرات عسكرية وتسليحية.
وكانت مصادر أمنية مطلعة، كشفت عن تدخل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإبعاد الاستعراض العسكري لمليشيا الحشد بالدفع بها نحو ديالى بعد أن كانت تسعى لتنفيذه في العاصمة بغداد.
وصبيحة انعقاد القمة الثلاثية، أمس، هاجمت طائرات مسيرة مناطق تقع عند محافظة أربيل على مقربة من القنصلية الأمريكية.
التوقيت والدلالة
باتت كل الطرق تؤشر في الأفق إلى وجود تحرك أمريكي لردع تلك المليشيات بعد سلسلة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة.
الخبير الأمني العراقي، مازن محمد، قال إن "المليشيات المسلحة تعتقد أن الولايات المتحدة تعيش انكفاءً وتراجعاً كبيراً في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن لذا تمادت في التصعيد والتكتيك المتبع في شن الهجمات".
وأوضح محمد، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه "على ما يبدو أن تلك الفصائل تفتقر إلى القراءة السياسية وردود الأفعال خاصة عندما يكون الخصم بحجم واشنطن معتقدة أن تغيير الرؤساء في الولايات المتحدة يغير من أولويات مصالحها القومية للأمن الخارجي.
وربط الخبير الأمني ذلك التصعيد بوصول الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم في طهران والزيارة السرية التي أجراها قائد مليشيا فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بغداد، في الـ9 من الشهر الحالي.
ويقترب من ذلك الرأي، المحلل السياسي العراقي، علي الكاتب، إذ يؤكد أن إيران قد تساهلت الأمر كثيراً وظنت أنها قادرة على تحديد البقاء وعدمه للوجود الأمريكي في العراق.
وربما ما أذكى تلك النزعة لدى ساسة طهران، وفق الكاتب في حديثه لـ"العين الإخبارية"، بدء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما قد يشهده من انسحاب مماثل في العراق.
وأكد المحلل السياسي أن الضربة الأمريكية اليوم، جاءت لطرد الأوهام من عقول طهران ومارست عليهم نوعاً من الصدمة التي تفرض على إيران مراجعة حساباتها والتفكير جيداً بنتائج أي تصعيد جديد.