تعد السوق الأمريكية هي السوق الأولى للصادرات الصينية بينما تعد الصين هي ثالث أهم سوق للصادرات الأمريكية
كان للرئيس الأمريكي موقف متناقض بعض الشيء من العلاقات الاقتصادية الأمريكية الصينية خلال الأسبوع الماضي، فقد عقب الرئيس على ما ذكره الممثل التجاري الأمريكي من عدم معقولية فك الارتباط بين الاقتصادين بقوله إن خيار فك الارتباط الكامل مع الصين هو خيار قائم في كافة الظروف.
وبعد عدة أيام عاد الرئيس الأمريكي ليعلق على تصريحات أدلى بها مستشاره التجاري بيتر نافارو فُهم منها أن اتفاق المرحلة 1 التجاري بين البلدين قد انتهي، بقوله إن الاتفاق قائم وسليم تماما. فما هو السر في هذا الموقف الذي يبدو متناقضا؟
الواقع أن الرئيس وقبل أقل من خمسة أشهر على موعد انتخابات الرئاسية يهمه إيصال رسالة للناخبين بأنه يأخذ موقفا قويا ضد الصين، خاصة وأن استطلاعا حديثا للرأي لمركز بيو أظهر أن لدى ثلثي الأمريكيين رأي سلبي عن الصين، وهو ما يمثل أعلى نسبة سلبية تتعلق برأي الأمريكيين في الصين منذ بدأ طرح هذا السؤال في استطلاعات بيو في عام 2003. وينظر 72% من الجمهوريين للصين نظرة سلبية مقارنة مع 62% من الديمقراطيين.
وفي نفس الوقت يحرص الرئيس على العلاقات التجارية وخاصة زيادة الصين لمشترياتها من السلع الزراعية، باعتبارها واحدة من الأدوات التي قد تجلب له أصوات الولايات التي يلعب فيه النشاط الزراعي دورا كبيرا.
فك الارتباط: هل هو أمر ممكن؟
قال الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر أثناء جلسة استماع في الكونجرس خلال الأسبوع الماضي أنه يعتقد أن "سلاسل الإمداد ينبغي أن تعود للبلاد من الصين، ولكن يجب أن يبقى البلدان مترابطان. إن موضوع فك الارتباط موضوع معقد.
هل أعتقد أنه ينبغي إعادة سلاسل الإمداد للبلاد؟ نعم، هل أعتقد أنها ينبغي أن تعود من الصين؟ نعم، هل أعتقد أنها ينبغي أن تعود من كل مكان آخر؟ نعم."
بينما طرح لايتهايزر سؤال آخر قائلا "هل أعتقد أنه يمكن ببساطة فك ارتباط الاقتصاد الأمريكي بالاقتصاد الصيني؟ لا، أظن أن هذا كان خيارا منذ عدة سنوات مضت". وأضاف "لا أعتقد أن هذا يعد خيارا معقولا في الوقت الراهن."
والواقع أن خيار فك الارتباط أمر معقد فعلا للغاية، والأمر يعود إلى ضخامة حجم العلاقات وتطورها السريع خلال العقدين الأخيرين، فقد بلغ حجم التجارة السلعية والخدمية بين البلدين نحو 737.1 مليار دولار في عام 2018، حيث بلغت صادرات الولايات المتحدة للصين 179.3 مليار دولار، بينما بلغت وارداتها منها 557.9 مليار دولار. وبلغ بذلك العجز التجاري حوالي 378.6 مليار دولار، وتعد السوق الأمريكية هي السوق الأولى للصادرات الصينية بينما تعد الصين هي ثالث أهم سوق للصادرات الأمريكية، وكانت التجارة قد ارتفعت بمعدل نمو بلغ 11% سنويا خلال الفترة من 2001 إلى 2018.
تعد السوق الأمريكية هي السوق الأولى للصادرات الصينية بينما تعد الصين هي ثالث أهم سوق للصادرات الأمريكية
ورغم من انخفاض حجم التجارة الثنائية بنحو 15% في عام 2019 بعد أن بدأ الرئيس ترامب في فرض تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات من الصين ورد الصين بالمثل، إلا أن الاعتماد المتبادل كثيف خاصة الاعتماد الأمريكي على طائفة واسعة نسبيا من الصادرات السلعية الصينية.
أما عن الاستثمارات فنجد أن رصيد الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الصين بلغ 107.6 مليار دولار حتى عام 2017، وتتركز الاستثمارات في الصناعة، وتجارة الجملة، والتمويل والتأمين. أما الاستثمارات الصينية المباشرة في الولايات المتحدة فقد بلغت 39.5 مليار دولار حتى عام 2017 وتتركز في الصناعة، والعقارات، إضافة لذلك تعد الصين ثاني أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأمريكية حيث بلغ قيمة ما تحمله من سندات نحو 1.081 تريليون دولار في مارس الماضي.
والأمر المهم حقيقة هو أنه وفقا لاستطلاع للرأي تم في شهر مارس بين أعضاء غرفة التجارة الأمريكية في الصين، ذكر أكثر من 70% من الأعضاء أنهم ليس لديهم أي خطط لإعادة توطين إنتاجهم وعمليات سلاسل الإمداد أو القيام بعمليات تعهيد خارج الصين بسبب فيروس كورونا، فحسب رأيهم ما زال لدى الصين مزايا نسبية من المحتمل أكثر أن تعمل على تدعيم مكانتها باعتبارها المصنع الرئيسي في العالم وتتضمن هذه المزايا سلاسل الإمداد الناضجة والسوق الواسع والبنية التحتية الجيدة والعمل الماهر.
وفي الحقيقة فالجزء الأكبر من إنتاج الشركات الأمريكية في الصين يتوجه للسوق الصيني ذاته، وحتى مع تفجر حرب التجارة في عام 2019 نجد أن الشركات الأمريكية ضخت 14 مليار دولار لإقامة مصانع جديدة واستثمارات أخرى طويلة الأجل في الصين، أضف إلى هذا أن الصين تبذل جهدا لجذب المستثمرين العالميين، ويتمثل ذلك في قانون جديد لحماية الاستثمار الأجنبي ووعود بتيسير الدخول للسوق وتعميق إصلاح الشركات المملوكة للدولة لجعل ساحة العمل موحدة أمام الجميع بما فيها المشروعات الأجنبية.
المشتريات الزراعية والانتخابات
سارع الرئيس ترامب إلى التأكيد على أن اتفاق المرحلة 1 التجاري بين البلدين قائم وسليم لتأثير ذلك البالغ على فرصه الانتخابية خاصة خلال الشهور القليلة المقبلة، فالنقطة المهمة في الاتفاق التجاري تتعلق بالسلع الزراعية، وهنا يعد الموقف الانتخابي للرئيس حرجا في الولايات الزراعية، وخاصة تلك التي فاز بها في الانتخابات السابقة بهامش ضئيل، فلقد هزم ترامب هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 2016 بفارق محدود في ولاية وسيكنسون "بأقل من 23 ألف صوت"، ومع وجود الزراعة كجزء مهم من اقتصاد الولاية، يأمل الديمقراطيون في انتهاز الفرصة التي يرونها سانحة مع تسبب سياسات ترامب في سياسات انتقامية مضادة من قبل الصين عرضت المزارعين لمشكلات ونجم عنها دفع أكثر من 20 مليار دولار من المعونات للقطاع الزراعي.
ومع أقل من خمسة أشهر تفصلنا عن موعد الانتخابات، تظهر استطلاعات الرأي أن المرشح الديمقراطي بايدن يتفوق على ترامب، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في بداية شهر يونيو الحالي اتساع فارق تفوقه على ترامب إلى عشر نقاط مئوية وهو أكبر هامش يسجل منذ أصبح المرشح المفترض للحزب الديمقراطي في بداية شهر أبريل الماضي.، كما أن بايدن لديه هامش ضئيل من التفوق على مستوى بعض الولايات: فهو يتفوق بمقدار ثلاث نقاط على ترامب في وسيكنسون، وخمس نقاط في ميتشغان وست نقاط في بنسلفانيا.
والواقع أنه من أجل التأكيد على التزام الصين بالاتفاق التجاري عقد اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي ومسؤول صيني رفيع المستوى يوم الأربعاء 17 يونيو الجاري، وعلق وزير الخارجية مايكل بومبيو قائلا "خلال اجتماعي مع عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني يانج جيشي أعلن التزام بلاده بكل الالتزامات التي يتضمنها اتفاق المرحلة 1 التجاري بين بلدينا".
وقد التزمت الصين بشراء ما قيمته 36.5 مليار دولار من المنتجات الزراعية الأمريكية وفقا لاتفاق المرحلة 1، وهو ما يزيد على مشترياتها البالغة 24 مليار دولار في عام 2017 وهو العام السابق على بدء الحرب التجارية بين البلدين.
وقد اشترت الصين ما قيمته نحو 4.65 مليار دولار فقط من السلع الزراعية الأمريكية خلال الشهور الأربعة الأولى من هذا العام طبقا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية، ويمثل هذا نحو 13% فقط من المستهدف في اتفاق المرحلة 1 التجاري ويقل بنحو 40% عما تم شراؤه خلال نفس الفترة من عام 2017.
لكن الصين سرعت مؤخرا من وارداتها من فول الصويا الأمريكية، حيث اشترت 2.2 مليون طن خلال أسبوعين من 29 مايو وحتى 11 يونيو.
موقف الرئيس الأمريكي إذا في ظل دخول الانتخابات لحظاتها الحاسمة هو التأكيد على أنه يأخذ موقفا متشددا من الصين، بينما في الوقت ذاته يحرص على تنفيذ الصين للاتفاق التجاري لأنه يحقق له مكاسب انتخابية مباشرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة