التجارة تلتقط أنفاسها.. اتفاق مبدئي بين واشنطن وبكين يوقف النزيف الاقتصادي

توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق تجاري مبدئي يعيد الأمل في تفادي الأفق القاتم والذي نتج عن حربهما التجارية.
ووفقا لتحليل نشرته "سي إن إن"، فإنه بعد أشهر من التصعيد المتواصل في النزاع الاقتصادي بين أكبر اقتصادين في العالم، جاء الإعلان ليمهد الطريق لهدنة تجارية محتملة.
وعقب اجتماع في المملكة المتحدة شارك فيه كبار المفاوضين من الجانبين وأكدوا أنهم أعادوا تأكيد الالتزامات السابقة، أعلنت واشنطن وبكين التوصل إلى خطة تنفيذية لما تم الاتفاق عليه مسبقًا، على أن تُعرض النسخة النهائية من الاتفاق على قادة البلدين للمصادقة.
ومن جانبه، كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منصة "تروث سوشيال"، أن "الاتفاق مع الصين تم"، مشيرًا إلى أنه يتضمن تخفيفًا للقيود على الصادرات، مقابل موافقة الصين على توريد المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات الحيوية مسبقًا.
بارقة أمل
ووفقا للتقرير، يمثل هذا الاتفاق بارقة أمل لقطاع الأعمال والمستثمرين الأمريكيين، خاصةً بعد فترة من التوترات الشديدة وفرض رسوم جمركية عالية أدت إلى اضطراب كبير في سلاسل التوريد العالمية. وقد يساعد تخفيف الحواجز التجارية في خفض التكاليف وتعزيز الاستقرار في الأسواق.
لكنّ المتابعين للشأن التجاري يرون أن الواقع لا يزال معقدًا. فالاتفاق الحالي لا يشكل تحوّلًا جذريًا، إذ إن الرسوم الجمركية ما زالت عند مستويات تاريخية مرتفعة من الطرفين، وتستمر القيود التي تحد من وصول الشركات إلى الأسواق الحساسة. كما أن الولايات المتحدة لا تزال تمنع تصدير تقنيات حساسة مثل رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين، فيما تواجه الشركات الصينية قيودًا أمريكية في قطاعات مثل السيارات والاتصالات.
والاتفاق يعيد بشكل أساسي الوضع إلى ما كان عليه قبل الثاني من أبريل/نيسان، حين أعلن ترامب ما أسماه "يوم التحرير" وفرض رسومًا تصل إلى 145% على الواردات الصينية، مما تسبب في توقف شبه كامل للتجارة الثنائية وأحدث صدمة في الاقتصاد العالمي.
من جانبه، وصف وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، الذي قاد المفاوضات الأمريكية، الرسوم السابقة بأنها "غير قابلة للاستمرار"، مؤكدًا الحاجة إلى تخفيف الضغط الاقتصادي المتزايد. وجاءت تصريحاته في وقت أبدى فيه اقتصاديون مخاوف من ركود محتمل. وقد أدى إعلان جنيف السابق في مايو/أيار إلى انتعاش قصير في ثقة الأسواق، لكنّ هذا التفاؤل لم يدم طويلًا.
فخلال الأسابيع التالية، تبادل الجانبان الاتهامات بعدم الالتزام، إذ اتهمت واشنطن بكين بالتقاعس عن رفع القيود المفروضة على صادرات المعادن الأرضية النادرة، بينما ردت الصين بفرض إجراءات مضادة. وتعد هذه المعادن (وعددها 17 عنصرًا) من المواد الاستراتيجية، حيث تسيطر الصين على معظم إنتاجها عالميًا، وتُستخدم في صناعات حساسة تشمل الإلكترونيات والطيران والطب.
تفادي الأفق القاتم
ويبدو أن المساعي الأخيرة تهدف لتفادي أسوأ السيناريوهات، مثل النقص الحاد في هذه المواد الحيوية أو انهيار سلاسل التوريد. لكن النزاع الأكبر لا يزال قائمًا، وهو نتيجة سنوات من التوترات المتزايدة، حيث تتهم الإدارات الأمريكية المتعاقبة الصين بممارسات تجارية غير عادلة، كفرض القيود على الشركات الأجنبية ونقل التكنولوجيا بالإكراه وسرقة الملكية الفكرية، وهي اتهامات تنفيها بكين باستمرار.
وفي ولايته الثانية، اتخذ ترامب موقفًا أكثر صرامة تجاه الصين، ففرض ضريبة جمركية شاملة بنسبة 10% على الواردات كافة، إضافة إلى 20% أخرى على المنتجات الصينية، مبررًا ذلك بضرورة وقف تهريب الفنتانيل. كما ألغت إدارته إعفاء "de minimis" الذي كان يتيح دخول الطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار دون رسوم، مما أثر سلبًا على منصات التجارة الإلكترونية الصينية مثل Shein وTemu.
والشركات الأمريكية الكبرى مثل Apple تملك القدرة على التكيف نسبيًا، وقد نقلت جزءًا من إنتاجها إلى الهند، لكنها لا تزال تتحمل تكاليف إضافية تقدر بـ900 مليون دولار لكل ربع سنة نتيجة الرسوم. أما شركات مثل Boeing فقد فقدت فعليًا الوصول إلى السوق الصينية منذ عام 2019.
ورغم هذه التحديات، أبدى ترامب تفاؤله، معلنًا أنه سيعمل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ "عن كثب" لفتح السوق الصينية أمام المنتجات الأمريكية. ويأمل كثيرون أن تصمد الهدنة هذه المرة، وأن تسهم في تهدئة التوترات وإنعاش اقتصادي البلدين.