سيعاني الكونجرس كثيرا خلال فترة ترامب من أجل ضمان بقاء الاستراتيجيات الأمريكية التقليدية في مواقعها، خاصة في عملية الانتشار عالميا
يبدو أن السياسة الأمريكية تعاني من السرعة الفائقة التي يتخذ بها الرئيس الأمريكي قراراته، وبدا ذلك واضحاً منذ الأيام الأولى له في السلطة، خلال هذا الأسبوع طرح مجلس الشيوخ الأمريكي تعديلاً على قرار الرئيس ترامب الانسحاب من سوريا وأفغانستان، ونال تعديل قانون السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط على تأييد 70 عضواً في مجلس الشيوخ مقابل معارضة 26 عضواً.
والحقيقة الواضحة أن ظاهرة الانسحابات الأمريكية تبدو جزءاً من مشروع الرئيس ترامب؛ الهادف إلى جعل أمريكيا قوية مرة أخرى، ولا أحد يعلم كيف يمكن أن يسهم سحب القوات الأمريكية من سوريا أو أفغانستان أو أي موقع توجد فيه أمريكا على هذا الكوكب في جعل أمريكا قوية مرة أخرى.
تخشى الولايات المتحدة الانسحاب من الشرق الأوسط، وبشكل مشابه لا تفضل دول الشرق الأوسط انسحاب الولايات المتحدة بهذه الطريقة، فعندما تعلن أمريكا تخليها عن أي منطقة في هذا العالم فإن هناك قوى ودولاً ترغب وبشكل سريع في أن تملأ هذا الفراغ
وقال هنري كيسنجر، ثعلب السياسة الأمريكية، عن الرئيس ترامب بأنه رئيس يمثل حقبة تاريخية جديدة، والحقيقة أن السلوك السياسي للرئيس ترامب يعبر عن مرحلة جديدة، ولكن لا أحد يعلم إذا كانت هذه المرحلة تسير في اتجاه صحيح أم غير ذلك، فهو يقرر على حسابه في تويتر عبر تغريدة ويعدل قراراته عبر التغريدة ذاتها، ويبدو أن ذلك المنهج يسبب أزمة كبرى للقواعد السياسية في أمريكا، خاصة في مجلسي النواب والكونجرس، ففي هذين المجلسين تنشأ الكثير من الأزمات في تحدٍّ واضح لقرارات الرئيس ترامب.
السؤال هنا.. لماذا تخشى المؤسسات السياسية الأمريكية الانسحابات العسكرية التي يعلن عنها ترامب تباعاً، لا سيما الانسحاب من سوريا وأفغانستان؟ وما الخطر الذي يمكن أن يهدد أمريكا في حال تحقق الانسحاب وفقاً للطريقة التي يخطط لها الرئيس الأمريكي؟ يبدو أن المخاطر التي تخشاها أمريكا بمؤسساتها العريقة لم تنتهِ بعدُ، وأن الشرق الأوسط لا يزال موقعاً مهماً في المسار الاستراتيجي الأمريكي.
تخشى الولايات المتحدة الانسحاب من الشرق الأوسط، وبشكل مشابه لا تفضل دول الشرق الأوسط انسحاب الولايات المتحدة بهذه الطريقة، فعندما تعلن أمريكا تخليها عن أي منطقة في هذا العالم فإن هناك قوى ودولاً ترغب وبشكل سريع في أن تملأ هذا الفراغ، كما أنه بمجرد أن تعلن أمريكا انسحابها من أي موقع تنشأ ظواهر متعددة من أشكال الصراع والعنف والتنافس تؤثر على المنطقة بأكملها.
لقد وضعت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية قواعد سياستها الخارجية، وفق سياسة متوازنة مع القوى الدولية الأخرى، ولكنها في عهد ترامب تجرب سياسة اعتماد الآخرين على أنفسهم في الحماية وحل المشكلات، وهذا منهج يجب النظر إليه بحذر؛ لأن التهديدات التي تخشاها أمريكا على نفسها قد تظل في المواقع ذاتها والتهديد ذاته.
سيعاني الكونجرس الأمريكي كثيراً خلال فترة ترامب، من أجل ضمان بقاء الاستراتيجيات الأمريكية التقليدية في مواقعها، خاصة في عملية الانتشار الأمريكي عالمياً، صحيح أنه يجب أن تنهي أمريكا صراعاتها في العالم، ولكنها يجب أن تظل محتفظة باستراتيجيتها الخاصة في مناطق العالم الحيوية مثل الشرق الأوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة