ترامب يتيح فرصة أمام أوروبا لتعزيز موقعها المالي.. هيمنة الدولار في خطر

أحدثت تغييرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في النظام التجاري العالمي صدمة في الأسواق، مما أثار الشكوك حول استقرار الأصول المالية الأمريكية التي كانت تعد تاريخيا الأكثر أمانا.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، شهدت الأسواق الأسبوع الماضي حالة من الهدوء النسبي، بعد أن تراجع ترامب عن تهديداته بإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وسعت وزارة الخزانة الأمريكية إلى طمأنة الشركاء الأجانب بأن اتفاقيات تجارية ستُبرم لاحقًا.
ومع ذلك، أبدى المسؤولون الأوروبيون، خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، شكوكهم تجاه استقرار سياسة ترامب التجارية، معتبرين أن حالة عدم اليقين هذه لن تتلاشى قريبا.
هذا المناخ من الاضطراب وعدم اليقين، أتاح فرصة ثمينة أمام أوروبا لتعزيز موقعها المالي، حيث اكتسب اليورو أهمية متزايدة في ظل هذا الوضع.
وقال فالديس دومبروفسكيس، المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، إن الاستقرار والاحترام الأوروبيين لسيادة القانون أصبحا عوامل جذب قوية للمستثمرين، مشيرًا إلى زيادة الاهتمام بالأصول المقومة باليورو.
وقد انعكس ذلك بوضوح في أداء العملة الأوروبية، حيث ارتفع اليورو بنسبة 5.4% مقابل الدولار منذ بداية أبريل/نيسان، متجاوزا 1.13 دولار لأول مرة منذ أواخر عام 2021.
ويثير هذا التحول تساؤلات حول ما إذا كان ارتفاع اليورو هو مجرد تعديل مؤقت في المحافظ الاستثمارية أم بداية اتجاه طويل الأمد قد يهدد الهيمنة التقليدية للدولار.
دروس من الماضي
وترى كريستين فوربس، أستاذة الاقتصاد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن الحماس تجاه اليورو يذكرها بفترة إطلاقه عام 1999، حين كان كثيرون يتوقعون أن ينافس الدولار على الصدارة العالمية.
لكن الأزمات السياسية والمالية، مثل أزمة الديون السيادية في 2012، وُجهت ضربة قاسية لثقة المستثمرين، خصوصا مع انخفاض عوائد السندات الأوروبية بسبب أسعار الفائدة المنخفضة لفترة طويلة.
واليوم، وبعد توسع منطقة اليورو لتشمل 20 دولة، يمثل اليورو حوالي 20% من احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية عالميا، وهو رقم ظل مستقرا نسبيا لعقدين، مقارنة بنسبة تزيد عن 50% لصالح الدولار الأمريكي. ومع ذلك، ترى فوربس أن الزخم الحالي لصالح اليورو أقوى، بفضل وحدة أوروبية أكبر ومشاكل متزايدة تواجه الأصول الأمريكية.
عوائد أوروبية أفضل
وحاليا، أصبحت السندات الأوروبية توفر عوائد أكثر جاذبية، وثقة المستثمرين في البنك المركزي الأوروبي كملاذ أخير قد ازدادت، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأصول الأوروبية.
وتعتبر خطة ألمانيا لإصدار ديون حكومية إضافية بقيمة تريليون يورو تطورا محوريا، حيث يُنظر إلى السندات الألمانية على أنها الأصول الأكثر أمانا باليورو. وقد رحب المستثمرون بهذا التوسع المالي الألماني، الذي تم بعد تعديل قواعد الاقتراض الصارمة، بهدف دعم الإنفاق العسكري والبنية التحتية.
وذكرت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، أن هذه الإجراءات عززت "الثقة" في الأسواق الأوروبية، مشيرة إلى أن أسعار السندات الألمانية ارتفعت في خضم الاضطرابات الأخيرة.
وهناك أيضا حديث متزايد عن احتمال إصدار المزيد من السندات المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي لتمويل الإنفاق العسكري، على غرار ما حدث خلال برامج التعافي بعد جائحة كورونا، رغم المعارضة السياسية التي تواجه مثل هذه المبادرات.
تحديات مستقبلية
وعلى الرغم من بوادر التفاؤل، حذر مسؤولون من المبالغة في تفسير التحولات الحالية. وقال ألفريد كرامر، مدير إدارة أوروبا بصندوق النقد الدولي، إن الطريق نحو "الاستثنائية الأوروبية" لا يزال طويلا ويتطلب إصلاحات هيكلية أوسع.
كما شدد كلاس نوت، محافظ البنك المركزي الهولندي، على أهمية تعزيز السوق الموحدة الأوروبية وبناء سوق رأسمالية موحدة لتسهيل حركة الأموال بين دول الاتحاد. وقال: "لا يزال لدينا الكثير من العمل لننجزه".
وفي الوقت نفسه، يرى العديد من الخبراء أن اليورو قد لا يحل محل الدولار، ولكن يمكن أن يكون جزءا من توجه أوسع لتنويع المحافظ الاستثمارية العالمية بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الدولار. فأسعار الذهب سجلت ارتفاعات قياسية مؤخرًا، كما صعد الفرنك السويسري بنسبة تقارب 7% مقابل الدولار. وتقول فوربس: "لا أعتقد أن العالم سيتخلى فجأة عن الدولار لصالح اليورو، بل نتحدث عن تنويع صحي للمخاطر." وأضافت أن أوروبا تبدو وجهة طبيعية للمستثمرين الباحثين عن بدائل موثوقة.
aXA6IDMuMjMuMTAwLjE3NCA= جزيرة ام اند امز