أوروبا تواجه أزمة معادن نادرة وسط هيمنة أمريكية صينية على السوق
تجد شركات الصناعات الدفاعية الأوروبية نفسها في سباق محموم لتأمين أحد أهم مكوّنات الصناعات العسكرية المتقدمة، مع انطلاق أكبر جهود لإعادة التسلح في القارة منذ نهاية الحرب الباردة، ألا وهي معادن التربة النادرة.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه أوروبا لتعزيز قدراتها الدفاعية، تتحرك الشركات الأمريكية بسرعة أكبر، مستحوذة على الجزء الأكبر من الإمدادات المتاحة، في مشهد يعكس فجوة متزايدة في القدرة على المناورة داخل سوق عالمي شديد التقلب.
ورغم الهدنة التجارية المؤقتة بين الولايات المتحدة والصين في ملف التربة النادرة، تفرض بكين قيودًا صارمة على تصدير هذه المعادن، وتمنع بيعها للشركات المشاركة في إنتاج الأسلحة. هذه القيود تجعل المخزونات المتاحة خارج الصين شديدة الندرة، فيما تشير التقديرات إلى أن المخزون الأوروبي قد يقترب من النفاد خلال أشهر إذا استمر الضغط الحالي.
وتشير شهادات من داخل القطاع إلى أن الشركات الأمريكية أكثر قدرة على التحرك السريع وتأمين الإمدادات بفضل قوتها المالية وسهولة تنسيقها مع موردي المكونات. ففي حين تستغرق الشركات الأوروبية ثلاثة إلى أربعة أسابيع لإتمام صفقة شراء طن واحد من التربينوم، تنجز الشركات الأمريكية الصفقة ذاتها في غضون أيام قليلة.
وتُعد هذه المعادن أساسية لصناعة المحركات الدقيقة والمستشعرات عالية التقنية المستخدمة في السفن الحربية والطائرات المقاتلة والطائرات المسيّرة. ومع تراجع المخزون الأوروبي، بدأت الشركات تشعر بالضغط المباشر على خطوط الإنتاج.
وبحسب مصادر صناعية، تعتمد الشركات الدفاعية الأمريكية نهجًا أكثر فعالية، يقوم على شراء المعادن عبر الموردين الأساسيين، ما يسمح لها بإخفاء بعض تفاصيل سلسلة التوريد وتقليل المخاطر في حال فرضت الصين قيودًا إضافية. كما يضمن هذا الأسلوب وصول الإمدادات مباشرة إلى الشركات المصنعة للمكونات الحيوية.
في المقابل، تواجه الشركات الأوروبية مشكلات بنيوية في تحديد احتياجاتها بدقة، وتفتقر إلى الدعم الحكومي الكافي. وغالبًا ما تعاني من تأخر في تحديد الكميات المطلوبة، ما يدفعها للشراء في اللحظات الأخيرة وبأسعار أعلى. كما يفتقر العديد من الدول الأوروبية إلى القدرات المحلية في معالجة المعادن وتكريرها، وهو الجانب الأكثر حساسية في سلسلة التوريد.
ورغم تطبيق الاتحاد الأوروبي لقانون المواد الخام الحيوية واعتماد مبادرة RESourceEU لتعزيز سلاسل التوريد المحلية، يؤكد العاملون في القطاع أن الإطار التنظيمي الحالي لا يزال غير كافٍ لتوفير بدائل حقيقية للصين. كما أن خطط التمويل -ومنها صندوق ألماني بقيمة مليار يورو- لم تنجح بعد في سد الفجوة.
وتشير تصريحات مسؤولي شركات دفاعية ألمانية إلى أن المنافسة الأمريكية الشرسة رفعت الأسعار وقلّصت الكميات المتاحة في السوق الأوروبية، في وقت تعتمد فيه شركات صغيرة ومتوسطة على مخزون محدود لا يسمح لها بمواكبة السباق نحو تأمين الإمدادات الاستراتيجية.
وفي ظل التراجع الكبير في القدرات الأوروبية لمعالجة المعادن، تسعى دول مثل ألمانيا إلى عقد شراكات جديدة، بينها مفاوضات مع كندا تشمل الاستثمار في استخراج وتكرير المعادن هناك، مستفيدة من احتياطيات تُعد من الأكبر عالميًا.
ويحذر خبراء من أن أوروبا بحاجة إلى استراتيجية موحدة لتقليل اعتمادها على الصين، على غرار النهج الحازم الذي اتخذته خلال أزمة اليورو، مشيرين إلى أن المسألة لم تعد اقتصادية فقط، بل أصبحت جزءًا من معادلة الأمن القومي.