الإغلاق الحكومي الأمريكي.. معركة سياسية ساخنة تتجاوز الميزانية
تعيش واشنطن أزمة الإغلاق الحكومي منذ أسابيع، إذ يجد الموظفون الفيدراليون أنفسهم في وضع ضبابي، بينما يخيم القلق على الملايين ممن يعتمدون على إعانات التأمين الصحي.
لكن خلف الكواليس، لا تقتصر المعركة على الميزانيات فحسب، في ظل سعي كل من الجمهوريين والديمقراطيين إلى إلقاء اللوم على الطرف الآخر أمام الرأي العام.
وفقا لوكالة "فرانس برس" يصرّ الديمقراطيون على أن رسالتهم أوضح، بينما يضرب الجمهوريون بسيف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غير أن منتقديهم يشيرون إلى أن حججهم غارقة في الجوانب الفنية.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن الأمريكيين يلقون باللوم على الحزبين، فيما بيّنت أحدث الاستطلاعات أن غالبية الأمريكيين يحمّلون الجمهوريين المسؤولية، رغم أن ذلك لا يؤثر كثيرًا على ترامب نفسه.
لكن أحد الطرفين سيُضطرّ في نهاية المطاف إلى التنازل، في ظل تزايد المخاطر مع غياب الرواتب وارتفاع أقساط التأمين.

ويُعدّ الإغلاق الحالي ثاني أطول إغلاق في التاريخ، في ظل غياب مؤشرات على أن أيًّا من الطرفين قد يتراجع قريبًا.
كما أنه أول إغلاق كبير يأتي بدفع من الديمقراطيين، وهي المرة الثانية التي يتم فيها تجميد عمل الحكومة على خلفية مطالب تتعلق بالإنفاق لا بالادخار.
ويطالب الديمقراطيون بتمديد الدعم لأقساط التأمين الصحي التي تساعد الملايين على تغطية تكاليف العلاج، بينما يطالب الجمهوريون بإنهاء الإغلاق الحكومي قبل الدخول في أي مباحثات.
لكن الجمهوريين يسيطرون على البيت الأبيض ومجلس النواب ومجلس الشيوخ، لذلك يقول الديمقراطيون إن خصومهم لا يمكنهم التهرب من المسؤولية عن الإغلاق.
ويراهن الديمقراطيون على وضوح المعادلة: يتولى الجمهوريون زمام المسؤولية ويتركون الحكومة في حالة جمود، بينما ترتفع تكاليف الرعاية الصحية.

وتقول آشلي كيرزينغر من مجموعة "كاي إف إف" للأبحاث الصحية إن الرسالة التي مفادها أن «الرعاية الصحية في خطر» تلقى صدى واسعًا.
وأفادت الإذاعة الوطنية العامة (إن بي آر) بأن ما خلصت إليه هو أن «78% من الأمريكيين، بمن فيهم أغلب الديمقراطيين والمستقلين والجمهوريين وأنصار ترامب، يعتقدون أن على الكونغرس تمديد الاعتمادات الضريبية لأقساط التأمين الصحي لما بعد عام 2025».
ويشعر الديمقراطيون بالارتياح لخوض المواجهة مع الجمهوريين بشأن قضية محورية تُعدّ أساسية في هويتهم السياسية، بحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ماثيو فوستر.
وسارع الجمهوريون، بدءًا من ترامب مرورًا بنائب الرئيس جاي دي فانس وصولًا إلى رئيس مجلس النواب مايك جونسون، إلى توجيه رسالة صريحة مفادها أن «الديمقراطيين يريدون تمويل الرعاية الصحية المجانية للمهاجرين بطريقة غير نظامية».
لكن هذه المزاعم لم تصمد، نظرًا إلى أن المهاجرين الذين لا يملكون إقامات قانونية محرومون من المزايا التي يطالب بها الديمقراطيون، فيما كشفت الاستطلاعات فشل هذه الاستراتيجية.

بالتالي، سارع الجمهوريون إلى التركيز على التدابير الإجرائية.
ويشيرون إلى أنهم مرروا مشروع قانون تمويل مؤقت، ويحملون الديمقراطيين مسؤولية المماطلة نظرًا لتأثيرهم في إمكانية الحصول على عتبة الستين صوتًا التي يتطلبها تمرير القانون في مجلس الشيوخ المكوّن من مئة عضو.
غير أن معارضين يرون أن الناخبين لا يهتمون بالتفاصيل الإجرائية ولا يمكنهم فهمها.
ويؤكد فوستر أن الناخبين الأكثر تأثيرًا «لا يتابعون الأمور بالقدر الكافي من الانتباه ليعرفوا هذه التفاصيل الدقيقة».
يلعب الديمقراطيون ورقة العواطف: الرعاية الصحية، والعائلات العاملة، والعواقب على أرض الواقع.
في المقابل، يعتمد الجمهوريون على الإجراءات وموازين السلطة. ورغم قدرة ترامب على حشد قاعدة أنصاره، فإن المحللين يشيرون إلى أنه يخاطر بتهميش الناخبين الذين تتمثل أولوياتهم في الحصول على رواتبهم وأدويتهم.
ويوضح فوستر أن «الاستطلاعات تظهر أن الناس لا يلقون باللوم عليه بعد، لكن مع تغيّر حال الاقتصاد، كما هو الحال في أمور أخرى، قد يتبدل ذلك جذريًا».
وأظهر آخر استطلاع لـ«رويترز/إبسوس» أن 50% يحمّلون الجمهوريين المسؤولية، بينما يُحمّل 43% الديمقراطيين المسؤولية. كما أظهر استطلاع لـ«هارت للأبحاث» أن 52% يحمّلون ترامب والجمهوريين المسؤولية، فيما يُلقي 41% باللوم على الديمقراطيين.
وأظهر استطلاع «إبسوس» ازدياد نسبة التأييد لترامب أثناء الإغلاق من 40% إلى 42%.
ويتطلع الديمقراطيون إلى ما بعد الإغلاق، إذ يُعدّ تحسين الرعاية الصحية مسألة رئيسية في انتخابات منتصف الولاية الرئاسية المرتقبة عام 2026. ومع ارتفاع الأقساط وتزايد مشاعر الامتعاض، يأملون في أن يدرك الناخبون أن سيطرة الجمهوريين تؤدي إلى الإغلاق.
من جانبهم، يرى الجمهوريون في الإغلاق فرصة للتأثير على طريقة الحكم واستعراض القوة. لكن كلما طال أمد الإغلاق، بدا وكأنه رهان محفوف بالمخاطر، بحسب المحللين.
وقال أستاذ التواصل السياسي في جامعة جورج واشنطن بيتر لودج إن «الجانبين يحمّلان بعضهما بعضًا مسؤولية تعطيل أمريكا... ما لم يتوخيا الحذر، فسيكون كلاهما على حق».