ردع أم توسع بطيء؟.. القوات الأمريكية في الشرق الأوسط تثير التساؤلات

في خضم التحولات المتسارعة في الشرق الأوسط، عاد الحضور العسكري الأمريكي ليتصدر المشهد مجددًا، ولكن هذه المرة بهدوء، بعيدًا عن الأضواء.
فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شرعت واشنطن في إعادة بناء وجودها العسكري في المنطقة بوتيرة أكبر، متجاوزة بذلك سياسة الانسحاب والتقليص التي اتبعتها عقب مغادرتها أفغانستان في عام 2021.
وبحسب تقرير لموقع «ريسبونسبل ستيت»، طالعته «العين الإخبارية»، فقد ارتفع عدد القوات الأمريكية في المنطقة من نحو 34,000 جندي إلى ما يقارب 50,000 مع نهاية عام 2024، وهو مستوى لم يُشهد منذ الولاية الرئاسية الأولى لدونالد ترامب.
صاحب ذلك زيادة سريعة في أعداد الطائرات والقطع البحرية، في خطوة تعكس إعادة ضبط استراتيجية تبدو مدفوعة بردود أفعال مرتجلة تجاه التهديدات الإيرانية، وتصاعد التوترات في البحر الأحمر، والضغوط السياسية الداخلية المطالِبة بـ"اتخاذ إجراء"، دون الانخراط في نزاع شامل.
ورغم أن هذه التحركات جرت إلى حدٍّ كبير بعيدًا عن أعين الرأي العام، إلا أنها تشير إلى تغيير كبير في الوضع العسكري الأمريكي الإقليمي. ومن أبرز التطورات نشر ثلاث مجموعات ضاربة لحاملات الطائرات قرب المياه اليمنية، وهي: حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي. أيزنهاور"، و"يو إس إس كارل فينسون"، و"يو إس إس هاري إس. ترومان"، وذلك ضمن عملية "حارس الازدهار"، وهي قوة متعددة الجنسيات أُنشئت ردًّا على هجمات الحوثيين ضد الملاحة في البحر الأحمر.
وقد وفرت هذه الحاملات غطاءً جويًّا مكثفًا للضربات الجوية المتزايدة ضد أهداف الحوثيين وبُناهم التحتية، عقب الهجمات الحوثية التي جاءت ردّ فعل على الحرب الإسرائيلية في غزة.
وترافق كل مجموعة ضاربة طرادات ومدمّرات مزوّدة بأنظمة الدفاع الصاروخي "أيجيس"، بينما تحمل حاملة الطائرات "كارل فينسون" وحدها 90 طائرة وطواقم قوامها 6,000 فرد، ما يعزّز القدرات العملياتية للبحرية الأمريكية في المنطقة.
بالتزامن مع ذلك، تم نشر ست قاذفات شبحية من طراز "بي-2" — تمثّل نحو 30% من أسطول القاذفات الشبحية الأمريكي — في قاعدة دييغو غارسيا الاستراتيجية الواقعة في المحيط الهندي، والتي توفّر منصة لانطلاق مهام بعيدة المدى تهدف إلى ردع إيران وإبراز النفوذ العسكري فوق مضيق هرمز، وهو أكبر انتشار من نوعه في القاعدة منذ إنشائها عام 1971.
وعقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصفت إدارة بايدن انتشار القوات في الشرق الأوسط بأنه إجراء دفاعي ووقائي يهدف إلى حماية الأفراد الأمريكيين وردع وكلاء إيران. إلا أن نمط التحركات العسكرية يكشف عن واقع أكثر تعقيدًا، حيث تحوّل الردع إلى عقيدة قائمة على الجمود الاستراتيجي.
فبدلًا من تقليل المخاطر، يعكس هذا التوسّع استعدادًا دائمًا للتصعيد دون وجود رؤية استراتيجية واضحة أو نهاية محددة. فعلى سبيل المثال، يتم استنزاف موارد الولايات المتحدة العسكرية باهظة الثمن لاعتراض طائرات مسيّرة حوثية منخفضة التكلفة؛ إذ قد تبلغ تكلفة الطائرة المسيّرة نحو 2,000 دولار فقط، في حين تتجاوز تكلفة الصاروخ الاعتراضي الواحد — مثل صواريخ SM-6 أو باتريوت — أربعة ملايين دولار.
ويُضاف إلى ذلك القلق من تزايد استقلالية القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، حيث غالبًا ما يتصرّف القادة الميدانيون بشكل استباقي أو بمعزل عن الإيقاع الزمني للدبلوماسية المدنية، ما يعزّز نزعة جعل الوضع العسكري هو المحدِّد الأول للسياسة الخارجية.
قد تعتقد إدارة بايدن أن هذا التوسع يوفر لها أوراق ضغط في مفاوضات مستقبلية مع إيران أو يعزّز حماية الحلفاء الإقليميين من أي ردود إيرانية.
ومع ذلك، فإن خطر سوء التقدير يتفاقم، لا سيما مع تزايد تركز الأصول العسكرية في مسارح شديدة التقلب، ما يزيد من احتمالات التصعيد العرضي، خاصة في ظل تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة، والحوادث البحرية، والعمليات السيبرانية.
ومن أبرز الأمثلة على بؤر التوتر المحتملة، الهجوم الصاروخي الحوثي الذي استهدف المدمّرة "يو إس إس لابون" في يناير 2024، وسرب الطائرات المسيّرة الإيرانية الذي اقترب من القواعد الأمريكية في البحرين.
ولا يزال السؤال قائمًا بشأن مدى القدرة على الحفاظ على هذا الوضع العسكري؛ فالتكلفة المالية، والعبء اللوجستي، والغموض الاستراتيجي، جميعها تثير تساؤلات جوهرية حول مدى استدامة هذا النهج، سواء في واشنطن أو بين حلفائها القلقين بشكل متزايد.
aXA6IDMuMTQzLjkuNSA=
جزيرة ام اند امز