بين الصواريخ والتخصيب.. إيران وأمريكا في اختبار الإرادات بعُمان

مع استئناف الجولة الثالثة من المفاوضات الإيرانية الأمريكية يوم السبت، يبدو الطريق إلى اتفاق مع واشنطن، مُعبدًا في طهران، وسط تقارير تشير إلى إجماع بين المسؤولين على أن التعامل مع إدارة دونالد ترامب يجب أن يكون أولوية.
إلا أن ذلك الإجماع الذي يختلف عن المحادثات السابقة التي عقدت في 2015، قد يتضمن تنازلات إيرانية «مؤلمة»، بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، التي قالت إن طهران تسعى لاتفاق «لأنها تواجه احتمال الانهيار الاقتصادي ما لم يتم تخفيف العقوبات».
وقال غريغوري برو، محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة أوراسيا، والذي يراقب وسائل الإعلام الإيرانية عن كثب: «هناك بالتأكيد شعور بأن الوضع قد تغير (..) هناك إجماع بين النخبة على أن المفاوضات مع الولايات المتحدة لضمان تخفيف العقوبات يجب أن تكون أولوية».
اختبار الإرادات
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن التحالف المؤيد للانخراط في المفاوضات، قد يتعرض لاختبار مع دخول المحادثات النووية مرحلة أكثر تفصيلاً هذا الأسبوع في عُمان.
وفي مواجهة سنوات من العقوبات الاقتصادية المُرهقة والضغوط العسكرية المُتصاعدة من إسرائيل والولايات المتحدة، سيُضطر المفاوضون الإيرانيون على الأرجح إلى التفكير في «تنازلات صعبة»، بحسب «واشنطن بوست».
وتختلف التصريحات الإيرانية بشكل ملحوظ عن الفترة التي سبقت الاتفاق النووي لعام 2015، والذي انسحب منه الرئيس دونالد ترامب لاحقًا. خلال تلك الفترة، كان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على خلاف مع الرئيس -آنذاك- حسن روحاني، ووصل به الأمر إلى وصف الاتفاق النووي، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، بأنه «ضررٌ جسيم». في النهاية، وافق خامنئي على الاتفاق.
إلا أن التحول الحالي بدأ بانتخاب الرئيس مسعود بزشكيان، وهو إصلاحي غير معروف إلى حد كبير، العام الماضي، وفقًا لشخص مطلع على فكر القيادة الإيرانية، مشيرًا إلى أنه بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت إيران وحلفائها الإقليميين، بدأ الدعم يتجه نحو الانخراط في حوار، لا سيما بين كبار القادة العسكريين الإيرانيين.
لم يكن التغيير في التفكير مُجمعًا عليه، لا سيما بعد اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية وزعيم حزب الله حسن نصر الله، وفقًا لكوشا صفت، أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة طهران والمقرب من القيادة الإيرانية المحافظة.
وأشار إلى أن أحد المعسكرين يميل إلى «التصعيد الإقليمي، بل وحتى الحرب»، بينما يدعو الآخر إلى «تطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة».
وأضاف صفت أن «الأمر المهم بشكل خاص الآن هو أن علي خامنئي تولى دور الوسيط بين القطبين المتعارضين».
ومع تركه الباب مفتوحًا للحوار، لا يزال خامنئي متشككًا في دوافع الولايات المتحدة. ففي مارس/آذار، صرّح بأن المفاوضات تُقترح من قِبَل «بعض الدول المتسلطة التي يتمثل هدفها الحقيقي في الهيمنة وفرض توقعاتها».
خلف الكواليس، يعمل الرئيس والمرشد الأعلى بتعاون وثيق، وفقًا لصت، الذي استشهد على تعاونهما، بسعي «بزشكيان إلى تأجيل الرد على إسرائيل خلال موجة الهجمات الأخيرة، أملًا في توفير مساحة للمفاوضات مع الولايات المتحدة. وقد وافق المرشد الأعلى على هذا القرار».
كما عمل بزشكيان من كثب مع القادة العسكريين الإيرانيين في تبني نهج «أقصى درجات التنسيق والتعاون»، وحقق توافقًا من خلال «جمع بعض الشخصيات المؤثرة والتفاعل الوثيق مع المرشد الأعلى».
من المتوقع أن يلتقي ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في عُمان يوم السبت لفترة وجيزة، كما حدث خلال الجلستين السابقتين. في غضون ذلك، ستبدأ الفرق الفنية العمل الشاق لوضع تفاصيل اتفاق محتمل من شأنه، جزئيًا على الأقل، الحد من تخصيب إيران للمواد النووية، ويتطلب مزيدًا من الشفافية في البرنامج النووي مقابل تخفيف العقوبات.
وفي حين يتزايد الدعم للمحادثات، لا يزال هناك متشددون بارزون يعارضونها والذين قد يصبحون أكثر قوة إذا فشلت المفاوضات في تحقيق الإغاثة الاقتصادية.
وقبل جلسة المفاوضات الأسبوع الماضي في روما، هاجم حميد رسائي، عضو البرلمان المقرب من كبار المتشددين الإيرانيين، المحادثات بشدة. وقال إن المرشد الأعلى سمح بالمحادثات «لمجرد إظهار مدى جنون المسؤولين [الأمريكيين] وكذبهم». وحتى مع استمرار المفاوضات، حذر رسائي من أن «العقوبات ستشتد، والمشاكل ستتفاقم».
عقبات
يأتي ذلك، فيما قال مسؤول إيراني مطلع على المحادثات النووية مع الولايات المتحدة إن إيران ترى أن برنامجها الصاروخي هو العقبة الأكبر في المناقشات وليس تخصيب اليورانيوم.
واتفق الجانبان الإيراني والأمريكي خلال محادثاتهما في روما قبل أيام على البدء في وضع إطار لحل الخلاف القائم منذ فترة طويلة بشأن برنامج طهران النووي، مع تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقصف إيران ما لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وأضاف المسؤول أن المفاوضين الإيرانيين غادروا روما وهم على قناعة بأن الولايات المتحدة قبلت موقف طهران بأنها لن تنهي برنامجها لتخصيب اليورانيوم بالكامل أو تتنازل عن كل اليورانيوم الذي خصبته بالفعل، لكنه أشار إلى أن برنامجها الصاروخي لا يزال يشكل نقطة خلاف رئيسية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هذا الأسبوع إن إيران سيتعين عليها وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل بموجب الاتفاق واستيراد أي يورانيوم مخصب تحتاجه لتشغيل محطة بوشهر، وهي المحطة النووية الوحيدة العاملة لديها.
ووصف المسؤول الإيراني هذا التعليق بأنه «موقف إعلامي جديد»، وقال إنه لن يسهم في إحراز تقدم في المفاوضات. وذكر المسؤول أن «نقطة الخلاف الوحيدة المتبقية في المناقشات العامة والتفاهمات المتبادلة هي مسألة الصواريخ».
وأكد المسؤول موقف إيران الثابت بأنها لن تقدم أي تنازلات أخرى بخصوص برنامجها الصاروخي تتجاوز تلك المتفق عليها في اتفاق سابق أبرم في عام 2015، قائلا إن القدرات الدفاعية الإيرانية "غير قابلة للتفاوض".
وأحجمت وزارة الخارجية الأمريكية عن التعليق. ولم يرد البيت الأبيض حتى الآن على طلبات للتعليق.
وتخشى دول غربية من أن يؤدي برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم إلى إنتاج مواد تمكنها من تصنيع رأس حربي نووي، وعبرت عن قلقها أيضا من أن تكون طهران تسعى إلى تطوير صاروخ باليستي قادر على حمل رأس نووي.
وتقول إيران إن برنامجها النووي مخصص فقط لتوليد الكهرباء وغير ذلك من الاستخدامات المدنية، وإنها تخصب اليورانيوم لاستخدامه وقودا في هذه الأغراض.
وتنفي إيران سعيها إلى صنع صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وتقول إن قدراتها الدفاعية غير قابلة للتفاوض في أي محادثات بشأن برنامجها النووي.
* "بادرة حسن نية"
ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن محادثات السبت ستعقد بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، عبر مسؤول عُماني سينقل الرسائل بينهما في مسقط.
وستكون هذه هي الجولة الثالثة من المحادثات التي انطلقت في وقت سابق من الشهر الجاري في سلطنة عُمان، ثم انتقلت في جولتها الثانية إلى روما، قبل عودتها لعُمان غدا.
وأبدى ترامب اليوم الجمعة استعداده للقاء الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أو الرئيس مسعود بزشكيان، وقال إنه يرى فرصة للتوصل إلى اتفاق.
وخلال ولايته الأولى التي بدأت عام 2017، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني السابق المبرم في عام 2015، والذي فرض قيودا على برنامج التخصيب الإيراني إلى جانب نظام للمراقبة مقابل تخفيف العقوبات. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران سرعت وتيرة تخصيب اليورانيوم منذ ذلك الحين.
ووضع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يؤيد اتفاق عام 2015، قيودا أيضا على برنامج الصواريخ الإيراني.
وقال المسؤول إن موقف إيران المتمثل في عدم تجاوزها بنود اتفاق عام 2015 ومتطلبات القرار يعني أنها "ستمتنع عن صنع صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية كبادرة حسن نية فقط".
وقال عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين إن الجهود التي بذلتها دولهم لإثارة موضوع برنامج الصواريخ الإيراني في محادثات متقطعة خلال الأشهر القليلة الماضية قوبلت بالرفض المتكرر من مسؤولين إيرانيين أصروا على أنه غير قابل للتفاوض.
وأضاف الدبلوماسيون أن دولا أوروبية اقترحت على المفاوضين الأمريكيين أن يتضمن الاتفاق الشامل قيودا تمنع إيران من امتلاك القدرة على وضع رأس نووي على صاروخ باليستي.
aXA6IDE4LjExOS4xNDIuMTIzIA== جزيرة ام اند امز