عودة "نوبك" إلى مسرح النفط.. بطل وهمي يصارع "طواحين الهواء"
عادت الولايات المتحدة مجددا إلى التلويح بورقة "نوبك" في مواجهة سوق النفط، أملا في الهروب إلى الأمام والتغطية على مشكلاتها المحلية.
ونوبك (اختصار "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط") هو مشروع قانون أمريكي فشل على مدار 20 عاما في الحصول على الشرعية اللازمة لإقراره في ظل ما يتضمنه من مخاطر مزدوجة على الولايات المتحدة وحلفائها وعلى استقرار سوق النفط نفسه.
والخميس، أقرت لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي مشروع القانون الذي يستتر خلف شعار مكافحة الاحتكار، ويسعى في نهاية المطاف إلى تجريد منظمة أوبك من الحصانة السيادية التي كفلها لها القانون الدولي، طمعا في إيجاد ثغرة لابتزاز المنظمة التي تعمل على ضبط آليات السوق والعمل على استقراره.
- قرار عاجل من "أوبك+" لضبط سوق النفط العالمية
- إلى أين تتجه أسعار النفط؟.. تحالف "أوبك+" يضبط بوصلة السوق
وبينما يحظى مشروع القانون هذا بتغطية إعلامية ضخمة في كل مرة ومبالغات تصل حد تصور كونه مشروع جاد، يعرف كل المحللين والمتخصصين أنه مجرد "استعراض" لا يستند إلى آليات حقيقية تدعم تنفيذه.
ومن بين أسباب عديدة، تبرز 5 عوامل رئيسية تكشف مدى هشاشة هذا المشروع وكونه أمر دعائي أكثر منه خطوة جادة.
أولا- خطوة رمزية
يعد تمرير مشروع "نوبك" من قبل لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي، خطوة أولية للغاية لا بد أن يعقبها مشوار طويل للحصول على قوة السريان كقانون.
ورغم ذلك، مر القانون في مهده بمقاومة ملحوظة إذ رفضه 4 أعضاء باللجنة القضائية التي أقرت المشروع، برغم كونها لجنة محدودة مقارنة بحجم مجلسي الشيوخ والنواب.
ولكي يمر القانون فإنه يستلزم موافقة مجلسي الشيوخ والنواب بكل ما يتضمنه هذا من مصاعب تكاد تصل حد الاستحالة كون المجلسين يمثلان في تكوينهما جماعات ضغط في قطاع الطاقة ترفض تماما هذا القانون غير المنطقي نظرا لتداعياته الخطرة عليهم وعلى بلادهم.
وعقب ذلك لا بد وأن يحصل القانون على توقيع الرئيس، الذي ربما يكون قد تغير مع حلول موعد الانتهاء من تمرير القانون حال حدث ذلك أصلا.
ولم يوضح البيت الأبيض حتى الآن ما إذا كان الرئيس الحالي جو بايدن يؤيد مشروع القانون، كما لم يتضح ما إذا كان يحظى بتأييد كاف في الكونجرس للوصول إلى هذه المرحلة، وفقا لرويترز.
ويعد هذا المشوار الطويل في طريق غير ممهد ومليء بالرافضين، سببا رئيسيا في فشل عدة نسخ من التشريع في الكونجرس على مدار أكثر من عقدين.
ثانيا - دعاية انتخابية "للاستهلاك المحلي"
تتزامن عودة مشروع نوبك مع أزمة تواجه في أمريكا وتتمثل بشكل واضح في قفزات التضخم، الأمر الذي رافقه تراجعا واضحا في شعبية الرئيس جو بايدن.
وحسب رويترز، فإن ارتفاع التضخم "مدفوع بعض الشيء" بأسعار البنزين لكنها ليست السبب الرئيسي.
ويرى محللون أن الرئيس الديمقراطي فضل الهروب إلى الأمام من أزماته دون حلها، عبر افتعال اشتباك غير مبرر مع منظمة أوبك التي يعلم بايدن نفسه أنها ليست السبب في ارتفاع أسعار النفط بقدر أوضاع عالمية أخرى يمثل بايدن نفسه أحد أسبابها.
ويدعم الأداء المحبط والمخيب لإدارة بايدن في ملفات سياسية واقتصادية عديدة، فرضية أن الشعب الأمريكي لن يبقي كثيرا على هذه الحكومة، لذا فإنها وجدت في هذا الملف قشة للتعلق بها.
ثالثا- ضغوط بلا طائل
يمكن وصف عودة مشروع "نوبك" إلى الأضواء بأنه "مراهقة سياسية" من جانب الإدارة الأمريكية بعد فشل ضغوطها المتلاحقة على أوبك.
والفعل "مراهق" لأن المنظمة أبدت صمودا منطقيا أمام "الابتزاز" وأكدت أن الأمر يتعلق بحسابات سوقية بحته وأن الغرض هو الحفاظ على السوق وبالتالي فإنه لا طائل من تلك الضغوط ولن يتحقق منها أي فائدة.
وعلى جانب آخر، تهدد واشنطن بتطبيق قانون لا تعرف أصلا كيفية تطبيقه، إذ نظريا من شأن نوبك – حال تمريره- أن يسمح للمدعي العام الأمريكي بمقاضاة أوبك أو أعضائها أمام محكمة اتحادية.
لكن وبحسب رويترز، فإنه ليس هناك حتى الآن أي جزئيات متعلقة بكيف يمكن لمحكمة اتحادية تنفيذ أحكامها تلك على الدول الأجنبية.
وتعبيرا عن هذه الخطوة المراهقة غير المحسوبة، قال مارك فينلي الزميل بمعهد بيكر بجامعة رايس المختص بشؤون الطاقة والنفط العالمية والمحلل والمدير السابق بوكالة المخابرات المركزية "إنها لخطوة سيئة أن تضع السياسات وأنت في حالة غضب".
رابعا - ضربة في مقتل لاقتصاد أمريكا
قبل أن يكون لمشروع قانون نوبك أي أثر دول أوبك، فهو ضربة في مقتل للاقتصاد الأمريكي ذاته.
ونقلت رويترز عن محللين قولهم إن الإسراع بسن القانون قد يؤدي إلى انتكاسة غير مقصودة تشمل إمكانية أن تتخذ دول أخرى خطوات مماثلة ضد الولايات المتحدة لخفضها إمدادات منتجات زراعية لدعم الزراعة المحلية على سبيل المثال.
كما يحمل القانون حال إقراره مخاطر أخرى من جانب دول أوبك التي قد ترد بشكل موجع، وعلى رأس تلك الردود بيع النفط بعملات غير الدولار.
ومن شأن ذلك تقويض وضع الدولار كعملة احتياط رئيسية في العالم مما يخفض من نفوذ واشنطن على التجارة العالمية ويضعف من قدرتها على فرض عقوبات على دول أخرى.
وقد تقرر بعض الدول تقليص استثماراتها في أمريكا وشراء ولو بعض أسلحتها من دول غير الولايات المتحدة مما يضر بتجارة رائجة لشركات الدفاع الأمريكية.
وحسب رويترز، يمكن حتى رفع أسعار بيع النفط للولايات المتحدة مما يقوض الهدف الأساسي لسن القانون.
وقال بول سوليفان محلل شؤون الشرق الأوسط والزميل غير المقيم بمركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي إن الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون بالفعل تحديات كبرى في تأمين إمدادات من الطاقة يعوّل عليها. وأضاف "آخر ما نحتاج لفعله هو إلقاء قنبلة على هذا".
خامسا- مخاطر على سوق النفط
يحمل مشروع القانون في طياته مخاطر جمة على الاقتصاد العالمي عموما وعلى سوق النفط بشكل خاص، إذ أنه يفتح الباب أمام زيادة إنتاج السلعة بقدر قد لا يتحمله السوق ويؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار المنتجين الأضعف الذين هم أصلا المنتجين الأمريكيين.
وليس هذا الأمر ببعيد عن الدرس الذي تعلمه العالم من محنة كورونا التي انهار فيها الطلب على النفط فجأة بشكل أدى إلى خروج منتجين كثر من السوق، قبل أن يعاود الطلب الارتفاع بينما قدرات الإنتاج غير جاهزة ما أدى إلى أزمة إمدادات.
ولطالما أشارت منظمة أوبك تحديدا إلى الجزئيات المتعلقة بضمان استقرار السوق بشكل مستدام، وان هذا الأمر يستلزم تحركات رشيدة ومنضبطة على مستوى زيادة الإنتاج أو خفضه.
ولأوبك دورها المشهود في تحقيق استقرار سوق النفط وضمان توازنه مع التأكيد على كونها ضد الاحتكار في هذه السلعة الحيوية.
ولذلك، أبدى معهد البترول الأمريكي، وهو أكبر تكتل في قطاع صناعة النفط في الولايات المتحدة، اعتراضه على مشروع قانون نوبك قائلا إنه قد يضر بمنتجي النفط والغاز في الداخل.
ولدى السعودية ودول أخرى من أعضاء أوبك بعض من أرخص الاحتياطيات النفطية وأسهلها في الاستخراج، وهو ما لا يتوفر في قطاع الطاقة الأمريكي.
وقالت مجموعة كلير فيو إنرجي بارتنرز البحثية في مذكرة إن أي ضخ إضافي للنفط من منتجي أوبك، حتى في وقت تهيمن عليه المخاوف من نقص إمدادات روسيا، "قد يجمد أنشطة الحفر في الولايات المتحدة مما قد يعرض للخطر أمن الطاقة المحلي وكذلك انتعاش الاقتصاد المحلي".
aXA6IDE4LjExNy4xOTIuNjQg جزيرة ام اند امز