عقوبات الغرب على روسيا.. ضغوط بنتائج عكسية؟
حين فرض الغرب عقوبات على روسيا كان يأمل أن تشكل ورقة ضغط ترهق اقتصاد موسكو وتجبرها إما على التراجع أو السقوط، لكن لا شيء من ذلك تحقق.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية كوسيلة للضغط، لكن بعد نحو عامين من الحرب في أوكرانيا، ورغم العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا، فإن اقتصاد موسكو ومجهودها الحربي لا يزالان أفضل بكثير مما كان متوقعا.
وقال موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت» الأمريكي إن العقوبات المفروضة على روسيا منذ فبراير/شباط 2022 والتي تعد الأكبر على الإطلاق، أصبحت أكبر مثال على فشل العقوبات في تحقيق النتائج المرجوة.
وإلى جانب فشل الهجوم الأوكراني المضاد، فقد ساهم فشل العقوبات في تنامي الاعتقاد بأن الحرب قد تنتهي إلى طريق مسدود، أو حتى إلى انتصار روسيا.
وفي أواخر فبراير/شباط 2022، فرض الرئيس الأمريكي جو بايدن سلسلة من العقوبات بالتنسيق مع الحلفاء، استهدفت صناعة الأسلحة الروسية، وصادرات التكنولوجيا، والأصول الأجنبية، والبنوك، وشركات الطاقة، ورجال الأعمال الأثرياء، ثم عزلت الدول الغربية روسيا تماما عن السوق المالية العالمية.
وكانت أهداف واشنطن والغرب تتلخص في أن تعيق العقوبات قدرات روسيا وتشل دعم النخب السياسية بما يؤدي إلى انهيار نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لم يتحقق الهدف
بعد مرور ما يقرب من عامين، لم تؤد العقوبات لإسقاط النظام الروسي أو دفعه إلى الموافقة على المطالب الغربية بالانسحاب من أوكرانيا.
فعلى العكس، تستعد روسيا لزيادة نسبة الدفاع من الناتج المحلي الإجمالي الوطني لتصل لأعلى مستوياتها على الإطلاق بنسبة 70%.
وبالتأكيد، يتأثر الاقتصاد الروسي بالعقوبات مثل قطاع الطيران وصناعة السيارات بانخفاض قدره 80% بسبب عدم إمكانية الوصول إلى المكونات.
كما ينذر انهيار الاستثمار الغربي المباشر وهروب رؤوس الأموال وهجرة العقول بعقود من النضال الاقتصادي للأجيال القادمة في روسيا، ومع ذلك، فإن هذا التأثير لا يقترب من النتيجة التي وعد بها المسؤولون الأمريكيون.
ويبدو أن الادعاءات بأن الاقتصاد الروسي على وشك الانهيار تنبع من الحاجة إلى طمأنة الناخبين الذين يعانون من الأضرار الجانبية الناجمة عن العقوبات مثل ارتفاع أسعار الطاقة وتدهور مستويات المعيشة.
أسباب
تتضمن أسباب فشل العقوبات تجاوزها من قبل دول الجنوب في سلاسل التوريد المعقدة، والثغرات الموجودة في صادرات السلع ذات الاستخدام المزدوج، وإحجام الشركات عن وقف أعمالها بالكامل مع السوق الروسية.
ويبدو أن الغرب قلل إلى حد كبير من تقدير الاستعداد العالمي بما في ذلك الشركاء الغربيون لرفض العقوبات والاستمرار في شراء الطاقة الروسية.
كما خفف التخطيط الاقتصادي الروسي من وطأة العقوبات، ففي بداية الحرب، ردت الحكومة والبنك المركزي على الفور بمزيج من القيود على التدفق الحر لرأس المال وزيادة بنسبة 20% في أسعار الفائدة.
وفي غضون شهرين فقط بعد الحرب، شهدت البنوك عودة 90% من الأموال المسحوبة في البداية إلى الحسابات الروسية.
وبعد عشرين شهراً، حل اقتصاد الحرب محل تنويع الصادرات الروسية ويظهِر الناتج المحلي الإجمالي لموسكو نمواً مرناً بنسبة 2.2% هذا العام.
وعلى الرغم من الهروب الشديد لرؤوس الأموال، فقد نما فائض الحساب الجاري الروسي إلى 16.6 مليار دولار في الربع الثالث من هذا العام، وهو ما يعكس زيادة كبيرة في التجارة الخارجية.
تقارب
مؤخرا، فرضت الحكومة تدابير جديدة تجبر المصدرين الروس في مجالات الطاقة والمعادن والزراعة على تحويل عائداتهم من العملات الأجنبية إلى الروبل، كما أصدرت رسوماً جديدة على المصدرين غير النفطيين.
وأدت الاستراتيجيات المناهضة للدولار إلى تقارب روسيا مع دول مثل الصين وإيران وتركيا، والتي يشترك بعضها في هدف الحد من النفوذ المالي الأمريكي.
ويعكس هذا الأمر خطرا جديدا للعقوبات الأمريكية؛ فبدلاً من تعزيز القوة العالمية للولايات المتحدة، فإنها في الواقع تحفز الدول الأخرى على تقليل اعتمادها الاقتصادي على واشنطن.
وأخيرا، قد يضطر الغرب إلى إعادة النظر في سياسة العقوبات ولا ينبغي أن يأتي تخفيف العقوبات إلا كجزء من التسوية لإنهاء الحرب ولابد أن يكون مصحوباً بضمانات حازمة وملزمة بإعادة فرض العقوبات تلقائياً، وفق المصدر نفسه.