التوتر الأمريكي التركي.. جليد تفاقمه صفقة "إف 35" والقس
يرى مراقبون أن ثمن التوتر سيكون باهظا في النهاية، وستكون تداعياته وخيمة على العلاقات الثنائية على جميع الأصعدة
قناعة شبه راسخة تتملك مراقبين بأن التوتر الأمريكي التركي المتفاقم في الأشهر الأخيرة، بسبب اختلاف وجهات النظر حول عدد من الملفات، يتجاوز كونه مجرد خلاف، وإنما يرتقي لدرجة حرب باردة.
غير أن الجانب من الموضوع الذي لا يزال ضبابيا، يتعلق باستفهامات عديدة يطرحها الشكل المحتمل لنهاية المواجهة الجليدية، والطرف المرشح للفوز، أو من سيقبل بالتنازل إرضاء للآخر، وطلبا للحسم.
وما بين اليقين والشك، يظل المؤكد هو أن ثمن التوتر سيكون باهظا في النهاية، وستكون تداعياته وخيمة على العلاقات الثنائية على جميع الأصعدة، سواء السياسية أو العسكرية أو حتى التجارية.
كلفة سيدفعها الطرفان، وستضرب في عمق علاقات من المفترض أنها قوية ومتينة بين شريكين استراتيجيين منذ عقود.
ملفات خلافية
من بين الملفات التي تثير حنق أنقرة وتتجاهلها واشنطن، كما تقول قيادات سياسية تركية، مسألة الحكم على هاقان أتيللا، المصرفي التركي بالسجن 32 شهرا بتهمة المشاركة في خطة للتحايل على العقوبات ضد إيران، في قضية اعتبرتها تركيا "خطوة سياسية" قبل أن تكون قضائية.
كما أن الخلافات بشأن عدم تخلي واشنطن عن "وحدات حماية الشعب الكردية" في سوريا رغم تفاهمات منبج بين البلدين، تثير أيضا غضب أنقرة.
من جانبه، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التدخل شخصيا للالتفاف على حملات التصعيد ضد تركيا، في المحافل السياسية والاقتصادية والأمنية بالولايات المتحدة، ومنح أنقرة الوقت الكافي لتتراجع عن مواقفها وقراراتها، وتتخلى عن تشددها.
وشدد ترامب، في أكثر من مناسبة، على أن بلاده لن تفرط بسياستها واستراتيجياتها ومصالحها الإقليمية والدولية حتى ولو كان المقابل الابتعاد عن أنقرة.
لكن قوى الضغط السياسي والإعلامي والاقتصادي في الولايات المتحدة، وقيادات سياسية في الحكم والمعارضة، تحشد يوميا ضد السياسات التركية، مذكرة ترامب بأن لا يطيل كثيرا فترة التفاوض مع تركيا لأن الأخيرة لن تغير بسهولة خياراتها ومواقفها الجديدة حيال البيت الأبيض.
طرحٌ يستند إلى دعوة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للمشاركة في قمة جنوب أفريقيا لدول مجموعة "بريكس"، باقتراح مباشر من نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
مدٌ وجزر رفع منسوبه بشكل خاص، قرار الكونجرس الأمريكي، مؤخرا، تجميد صفقة تسليم طائرات "إف-35" من الجيل الخامس الحديثة إلى تركيا، بسبب تمسك الأخيرة بعقد شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" رغم كل حملات الاعتراض الأمريكية.
الإدارة الأمريكية حاولت، في أكثر من مرة، تنبيه القيادات التركية بأن المؤسسات الأمريكية جادة فيما تقول، وأنها ليست مجرد مناورة.
لكن أنقرة تجاهلت التحذيرات، حتى نزل عليها قرار الكونجرس في الصيغة الأخيرة لميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2019، كالصاعقة.
وبطبيعة الحال، فإن القرار تم اتخاذه رغم التقديرات والتحليلات التي قدمها البنتاجون حول العواقب المحتملة التي ستتبع إلغاء الصفقة مع تركيا.
لكن ارتدادات القضية ستكون أكبر لأن التوتر سيصل مباشرة إلى نقطة منع تركيا من المشاركة في برنامج إنتاج طائرات "إف-35" في حال تمسكها بشراء أنظمة الصواريخ الروسية "إس-400" وهذا ما يقض مضجع أنقرة.
وغضبت أنقرة بشدة، وهي التي تسلمت إحدى المقاتلات الأمريكية في حفل رسمي قبل أسابيع رغم احتفاظ واشنطن بالطائرة في أمريكا، ثم ما ردده إعلام أمريكي من أن تسليم المقاتلة هو مجرد احتفال رمزي، طالما أن واشنطن قادرة في أي وقت، على الحد من وظائف الطائرة أو تعطيلها عن بعد، من خلال فصل الخدمات الإلكترونية عنها.
قضية أخرى تتعلق بقرار محكمة تركية الإفراج الفوري عن القس الأمريكي أندرو برونسون، المسجون بتهم منها "التجسس"، والسماح بوضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله، ومنع مغادرته الأراضي التركية.
قرار بررته المحكمة بأنه فرضه الوضع الصحي للقس، غير أن حتى هذا التنازل إن صح التعبير من قبل أنقرة، أو عربون "حسن النوايا"، لم يكن كافيا لإقناع واشنطن بتجاهل صفقة الصواريخ مع روسيا، وهي التي ترى في هذه الشراكة تهديدا لأمن تحالف دول شمال الأطلسي.
كما أن قرار الإفراج عن القس الأمريكي بهذا الشكل المفاجئ، سيفجر بحد ذاته، نقاشات في الداخل التركي، وسيشعل ردود الأفعال الغاضبة.
المفاجـأة الأخرى التي ستصب الزيت فوق نار التوتر التركي الأمريكي، ستكون هذه المرة بتلويح بعض المصادر السياسية والعسكرية التركية باحتمال الذهاب وراء خطة تغيير اقتناء مقاتلات "إف 35" الأمريكية بطائرات "سوخوي 57" الروسية المتطورة.
طرح في حال تفعيله سيكون، وفق مراقبين، القشة التي ستقسم ظهر بعير العلاقات بين البلدين لأنها ستعني بشكل أو بآخر، انسحاب تركيا من حلف شمال الأطلسي أو مواجهتها مباشرة لقرار الغرب بتجميد العلاقات العسكرية والأمنية معها كخطوة أولى على طريق التصعيد.