خلاف بايدن وزيلينسكي بعد زيارة كييف.. كيف يؤثر على الحرب بأوكرانيا؟
يبدو أن لقاء في واشنطن وآخر بكييف كانا كافيين ليصعد إلى السطح وجود خلاف بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما سيؤثر على الحرب الجارية هناك منذ أكثر من سنة.
بايدن ألقى بالفعل خطابا في ذكرى الحرب في أوكرانيا، عندما كان في وارسو، وأكد دعم واشنطن لكييف، لكن يبدو أن الصورة خلف الكواليس مختلفة، وربما تشبه موقف الجمهوريين المناوئ لمنح زيلينسكي "شيكا على بياض".
وتعهد بايدن في خطابه حينها بأن الولايات المتحدة "لن تتعب" في دعمها لأوكرانيا، واصفا الالتزام الأمريكي تجاه حلف شمال الأطلسي"الناتو" وأوكرانيا بمعركة من أجل الحرية ضد الاستبداد.
تعارف عن بعد
عقب بدء العملية الروسية في أوكرانيا، استنجد زيلينسكي ببايدن، وأجريا محادثات عبر الهاتف، حينها لم يكن الرجلان يعرفان بعضهما، ولم تسنح للرجلين أي فرصة للقاء، وكان الرئيس الأمريكي متفاجئا لاكتشاف -كما الحال مع باقي العالم- أن زيلينسكي أكثر من مجرد ممثل كوميدي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وبعد قدوم زيلينسيكي إلى واشنطن ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وردّ بايدن الزيارة حيث وصل إلى كييف في فبراير/شباط الماضي، كان الاثنان قد أصبحا متقاربين بما يكفي لتحية بعضهما البعض وكأنهما أصدقاء قدامى.
ولم يكن الأمر وديا جدا دائما؛ حيث خاض الزعيمان رحلة استثنائية معا منذ عام، مبرمين شراكة بالغة الأهمية لمستقبل النظام الدولي لكنها في بعض الأحيان كانت مشحونة بالخلافات، بحسب مسؤولين طلبوا عدم كشف هويتهم.
وتمكن بايدن حتى فبراير/شباط من تأمين مساعدات عسكرية وغيرها بقيمة 113 ميار دولار إلى أوكرانيا، لكن المكالمات الهاتفية بيتهما لم تكن كافية قط لزيلينسكي، الذي ضغط من أجل المزيد وبسرعة. واستغرق الأمر شهورا لتنمية تفاهم أفضل لبعضهما البعض.
وفي حين يشارك بايدن هدف زيلينسكي بإخراج روسيا، يقلق حيال استفزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودفعه نحو تصعيد الحرب خارج حدود أوكرانيا أو إلى صراع نووي.
أوكرانيا لا تسمح النصيحة
لكن يبدو أن هناك خلافات متصاعدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا فيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني؛ ويزعم مسؤولون كبار في إدارة بايدن بأن هناك تعاونا وثيقا بين واشنطن وكييف، وبالرغم من ذلك، ومع ظهور تلك الصدوع، يصعب تصديق الجبهة الوحدة بين البلدين.
وكانت روسيا تهاجم مدينة باخموت منذ تسعة أشهر. وفي الأسابيع الأخيرة، تحولت إلى مركز للصراع، وتكبدت أوكرانيا عدة خسائر هناك.
وردا على ذلك، أكد مسؤولون في إدارة بايدن أن أوكرانيا تستثمر الكثير من الرجال والأسلحة لدرجة ستعيق قدرتها على شن هجوم مضاد كبير في الربيع.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: "بالتأكيد لا أريد الحط من مقدار العمل الهائل الذي يبذله الجنود والقادة الأوكرانيون في الدفاع عن باخموت، لكنني أعتقد أنها ذات قيمة رمزية أكثر من كونها قيمة استراتيجية وعملياتية".
ومع ذلك، رفضت أوكرانيا الادعاءات الأمريكية. وفي الواقع، أكد زيلينسكي أن هذه الحرب لن تنتهي حتى عودة أوكرانيا بأكملها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، إلى سيطرتها.
وكانت هناك أيضًا نقطة خلافية بين أوكرانيا والولايات المتحدة تتعلق بتسليم الأسلحة؛ ولطالما ضغط زيلينسكي على بايدن لمواصلة إرسال الأسلحة إلى كييف. في حين حاولت إدارة بايدن إقناعه بأن الأسلحة لن تحل هذا الصراع سلميا، ولذلك، يبدو من المرجح أنه في القريب جدا ستوقف الولايات المتحدة تقديم أي مساعدة لأوكرانيا التي لا تلتفت لنصائحها.
تأثير الداخل الأمريكي
قبل الانتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حذر زعيم الحزب الجمهوري بمجلس النواب، آنئذ، ورئيسه حاليا، كيفن مكارثي من أن الجمهوريين لن يكتبوا "شيكا على بياض" لأوكرانيا حال فوزهم بالأغلبية في المجلس، لافتا إلى شكوك حزبه المتنامية بشأن الدعم المالي لكييف.
وأثارت كلمات مكارثي حينها التساؤلات بشأن استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا في ظل التساؤلات التي طرحها عدد متزايد من الجمهوريين، لاسيما أولئك المؤيدين لنهج الرئيس السابق دونالد ترامب: "أمريكا أولا"، بشأن الحاجة لإنفاق فيدرالي بالخارج في وقت تشهد فيه البلاد تضخما مرتفعا، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
ومنذ بداية العملية الروسية في أوكرانيا، وافق الكونغرس على عشرات المليارات من المساعدات الأمنية والإنسانية الطارئة إلى أوكرانيا، في حين أرسلت إدارة بايدن أسلحة ومعدات من المخزونات العسكرية بالمليارات.
كما يثير المخضرمون في شؤون الأمن القومي تساؤلات جدية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة – ولاسيما مجلس النواب الذي حظى بأغلبية جمهورية بعد الانتخابات النصفية – الإرادة السياسية لمواصلة دعم كييف بالمساعدات الأمنية الحيوية.
وتصاعدت تلك المخاوف مع تتويج رحلة مكارثي بتأمين مطرقة المجلس. والآن، مع دخول الحرب الأوكرانية ما وصفه الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ بأنه "مرحلة حاسمة"، أثار عدد من المتشددين بالحزب الجمهوري الشكوك بشأن المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، حيث قال البعض صراحة إنهم سيعارضون المستوى الكبير للمساعدات التي دعمها الديمقراطيون وبعض الجمهوريين حتى الآن.
رفض دعوة زيلينسكي
وهذا ليس كل شيء، بل رفض مكارثي دعوة زيلينسكي لزيارة أوكرانيا، والتي قال فيها: "عليه أن يأتي هنا لرؤية كيف نعمل، وما يحدث هنا، وما سببته الحرب لنا، والناس الذين يقاتلون. وبعد ذلك، يمكنك وضع افتراضاتك."
وعندما أبلغ رئيس مجلس النواب بالدعوة، قال لشبكة "سي إن إن" الأمريكية إنه لن يجري الزيارة. وتمسك مكارثي بموقفه بشأن ضرورة عدم إرسال الولايات المتحدة "شيكا على بياض" إلى كييف، وأضاف: "دعونا نكن واضحين للغاية بشأن ما قلته: لا شيك على بياض، حسنا؟ لذا، من هذا المنظور، لا يتعين علي الذهاب إلى أوكرانيا لفهم ما إذا كان هناك شيك على بياض أم لا."
وبحسب الاستطلاع الذي أجرته "أسوشيتد برس/إن أو آر سي"، يدعم 48% من الأمريكيين إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا؛ وهو تراجع كبير عن مايو/أيار عام 2022، عندما دعم 60% إرسال الأسلحة إلى ذلك البلد.
وقال 29% في الاستطلاع الجديد إنهم معارضون لإرسال الأسلحة، في حين قال 22% إنهم لا يدعمون الأمر أو يعارضونه.
ولدى سؤالهم عن إرسال أموال الحكومة مباشرة إلى أوكرانيا، كان الأمريكيون منقسمون على نحو متساو تقريبا، بحسب الاستطلاع. وقال 37% إنهم دعموا إرسال الأموال، بينما 38% يعارضون الأمر، في حين اختار 23% الحياد.