الانقسام الأمريكي يتجلى بعد أول أيام ترامب
بعد أيام من تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهامه، الشعب يرى تعمقا في الانقسام السياسي بالبلاد "لا نظير له".
انتشرت على أرصفة الشوارع في المنطقة المحيطة بالبيت الأبيض، أمس الأحد، لافتات تحمل شعارات تهاجم سياسات الرئيس الجديد دونالد ترامب مثل "ابنوا الجسور ولا تبنوا الجدران"، من بقايا المسيرة النسائية للاحتجاج على هذه السياسات.
ووقف كل من أنصار ترامب من جانب، والرجال والنساء الذين شاركوا في مظاهرات، السبت، المناهضة له من جانب آخر، طويلاً أمام عواقب الاحتجاج وتفكروا في الثماني والأربعين ساعة الأولى من فترة ولايته والتي كان التشنج سمتها.
وتقول ماري فوستر التي شاركت في أول مظاهرة سياسية في حياتها، السبت أول أيام ترامب في الرئاسة، إن العطلة الأسبوعية زادت من حدة مخاوفها من تزايد انقسام البلاد بعد انتخابات مريرة، مضيفة "أعتقد أننا نزداد تباعداً... حقيقة لم تعد هناك أرضية مشتركة. يبدو أننا نفقد الأرضية المشتركة".
وكانت فوستر (42 عاماً) قد صوتت للديمقراطيين والجمهوريين في الماضي لكن ما دفعها للمشاركة في المسيرة هو تصريحات وسياسات ترامب -رجل الأعمال الذي أصبح رئيساً- والتي يرى اليسار أنها مسيئة للمرأة وللأقليات.
ومثل فوستر خرجت ملايين النساء مدعومات برجال من أفراد أسرهن وأصدقائهن للمشاركة في مسيرات في مختلف المدن الأمريكية، في تحد جاء أكبر بكثير من المتوقع للرئيس الجديد.
الانقسام السياسي
أظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث وصدرت نتائجه الخميس الماضي -أي قبل يوم من تنصيب ترامب- أن 86% من الأمريكيين يعتقدون أن البلد أصبح منقسماً سياسياً أكثر مما كان في الماضي، لتقفز هذه النسبة من مستوى 46% في استطلاع مماثل أجري قبل 8 سنوات قبيل تنصيب الرئيس السابق باراك أوباما.
ويتفق الديمقراطيون والجمهوريون بهذا الاستطلاع في الرأي بشأن الانقسام السياسي، في تحول كبير عن عام 2009 عندما كان أكثر من نصف الجمهوريين يعتقدون أن البلاد تزداد انقساماً بالمقارنة مع 4 من كل 10 ديمقراطيين.
وكتب ترامب على حسابه على تويتر صباح الأحد، "شاهدت احتجاجات الأمس وكان انطباعي هو أننا أجرينا انتخابات لتونا فلماذا لم يصوت هؤلاء الناس؟"، وأضاف فيما بدا نبرة استرضائية "حتى لو لم أكن أتفق مع ذلك دائماً فأنا أسلم بحق الناس في التعبير عن آرائهم".
وقال أغلب العشرات الذين التقت بهم رويترز من المشاركين في الاحتجاجات، إنهم صوتوا للمنافسة الديمقراطية هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة. ونظمت أكبر المسيرات في الولايات التي أيدت كلينتون مثل كاليفورنيا ونيويورك والينوي وماساتشوستس ومقاطعة كولومبيا.
ترامب يعمق الانقسام
ويرى العديد من المراقبين أن حكم ترامب من شأنه تعميق الانقسام، وكان ترامب قد فاجأ الحزبين بفوزه في الانتخابات يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وترك بصمته على صفحة السياسة العالمية بخطاب اتسم بالجرأة وبالهجومية في بعض الأحيان.
ولم تقدم كلمة ترامب يوم تنصيبه ما يمكن اعتباره رسالة لتوحيد الشعب، حيث خاطب أنصاره مباشرة ورسم صورة قاتمة عما سماه "المجزرة الأمريكية" لبلد يمتلئ بالمصانع الصدئة وتنتشر فيه الجريمة، وتعهد قائلاً "من الآن فصاعداً لن يكون هناك سوى أمريكا أولاً".
وتكذب الإحصاءات تلك الصورة القاتمة التي يرسمها الرئيس البالغ من العمر 70 عاماً، فتظهر مستويات بطالة منخفضة وتراجعاً في معدلات الجريمة على مستوى البلاد، لكن ترامب حصل على الكثير من الأصوات في أجزاء من البلاد تضرر فيها بشدة قطاع الصناعة ويشعر سكانها أنهم تعرضوا للتجاهل وفاتهم قطار الانتعاش.
الكونجرس يزيد الأمور سوءا
تشير هيمنة الجمهوريين في واشنطن إلى أن الانقسام الحزبي سيزداد عمقاً على الأقل على مدى العامين المقبلين حتى انتخابات الكونجرس المقبلة.
وقالت ويندي شيلر أستاذة العلوم السياسية بجامعة براون: "لا شك أن ترامب عمق الانقسامات التي كانت قائمة بالفعل في الولايات المتحدة في قضايا مهمة مثل الأمن القومي والحقوق المدنية والتغير المناخي"، مضيفة أن "تقسيم البلاد وصفة جيدة للفوز في الانتخابات لكنه ليس وصفة للنجاح في الحكم".
ويرى المراقبون السياسيون أن الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلسي الكونجرس ليسوا في حاجة للتواصل مع الديمقراطيين الذين قد يفضلون بدورهم مهاجمة مقترحات الجمهوريين بدلاً من السعي لإيجاد حلول وسط من أجل حشد تأييد أنصارهم في انتخابات التجديد النصفي.
وقال جيفري بيري أستاذ العلوم السياسية في جامعة تافتس خارج بوسطن، "فكر رجال الكونجرس من الحزب الديمقراطي أكثر يسارية من فكر القاعدة الشعبية للديمقراطيين ويصدق الشيء نفسه على الجمهوريين فهم أكثر يمينية"، مضيفاً: "الكونجرس يزيد الوضع سوءاً فهو ليس قوة تعمل على تحقيق الاعتدال".
ويشكك أنصار ترامب في منطقية تنظيم مظاهرات احتجاج بهذه الضخامة في اليوم الأول من توليه السلطة قبل أن يتخذ أي إجراءات تتعلق بالسياسات، حيث تقول كيمبرلي مورجان (54 عاماً) وهي مدرسة تم الاستغناء عنها في ألاباما، "لم يعطوه أي وقت، يفترضون فقط أنه سيقوم بعمله بشكل سيئ".
وكانت مورجان تؤيد بن كارسون في الانتخابات التمهيدية، لكنها صوتت لصالح ترامب بعد خروج جراح الأعصاب المتقاعد من المنافسة، وارتدت مورجان قبعة ترامب وهي في طريقها إلى وسط واشنطن أمس الأحد مع أسرتها في بادرة عدلت عنها السبت بسبب المظاهرات المناهضة له.