فارق كبير وشاسع بين داليا العقيدي التي تسعى إلى التجميع، وإلهان عمر الماضية في سبيل التفريق، التي خدع فيها الأمريكيون وصوتوا لها.
على عتبات انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، يجد مسلمو أمريكا بنوع خاص أنفسهم أمام مفترق طرق لاختيار بعض أعضاء مجلس النواب؛ حيث الصراع محتدم بين النائبة الديمقراطية الحالية عن الدائرة الخامسة في ولاية مينسوتا "إلهان عمر" وبين الإعلامية العراقية الأصل "داليا العقيدي"، التي استقر بها المقام في الولايات المتحدة كلاجئة قبل سنوات طوال.
في تلك الأثناء التي ناهزت العقود السبعة، رسخ الأخوان في أمريكا وجودهم وجمعياتهم تحت ستار وشعارات عدة، جلها اتخذت راية الجمعيات الأهلية، وأخرى رفعت شعار العمل المدني.
فارق كبير وشاسع بين داليا العقيدي التي تسعى إلى التجميع، وإلهان عمر الماضية في سبيل التفريق، التي خدع فيها الأمريكيون وصوتوا لها في الانتخابات الماضية، قبل أن يدركوا كيف أنها "تؤذي كل أمريكي بكراهيتها".
يؤمن الأمريكيون بفكرة إعطاء الفرصة لأي أحد وكل أحد، انطلاقاً من المساواة التي يكفلها الدستور للمواطنين الأمريكيين، غير أن أدبيات الأمريكيين تخبرنا بالقول: "يمكنك أن تخدعني مرة، وساعتها يكون الأمر من العار عليك، أما إن سمحت لك بأن تخدعني ثانية، فإن هذا أمر يستوجب العار علي أنا".
هل سيكون هذا مصير إلهان عمر التي وجهت أقسى الألفاظ للرئيس ترامب، التي وقفت مؤخراً بجانب الرافضين لاغتيال سليمان قاسمي؟
الشاهد أن قائمة المآخذ على إلهان عمر لم تتبدَ لجمهور الأمريكيين، إلا حين بدت توجهاتها تشئ بأنها عنصر نائم من عناصر جماعة الإخوان المسلمين الأصولية التوجهات، ولهذا وجدت دعماً ومساندة كبيرين منهم لها في وقت ترشحها حتى الساعة.
كثيراً ما أشرنا إلى أن اختراق الإخوان المسلمين للأمريكيين أمر قد جرت به مراحل زمنية مختلفة وظروف وتفاهمات وسياقات لا يمكن بحال من الأحوال أن تفهم خارج إطارها الزماني والمكاني، ففي أوائل خمسينيات القرن، حين التقى الجد ايزنهاور مع سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كان الإخوان دالاس "آلان وفوستر" يشغل أحدهما وزارة الخارجية، والآخر مقعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وقد بلورا فكرة "لاهوت الاحتواء"، وهو في تفسير مختصر احتواء الاتحاد السوفيتي بالشعوبية الإسلامية، ومن هنا بدأ تجييش العالم الإسلامي لقطع الطريق على السوفيت، خوفاً من وصولهم إلى المياه الدافئة، لاسيما بالقرب من مصادر النفط في الخليج العربي.
تالياً مرت العلاقة بمراحل عديدة منها الدعم للمجاهدين في أفغانستان، وصولاً إلى الربيع العربي المشؤوم الذي سوف يسأل التاريخ عما فعله فيه باراك أوباما، وتشجيعه لهذا الفصيل للوصول إلى الحكم، وهم أبعد ما يكونون عن الديمقراطية والليبرالية.
في تلك الأثناء التي ناهزت العقود السبعة، رسخ الإخوان في أمريكا وجودهم وجمعياتهم تحت ستار وشعارات عدة، جلها اتخذت راية الجمعيات الأهلية، وأخرى رفعت شعار العمل المدني، وما بينهما وغيرهما، كان الهدف واضحاً في أعين صانعي وواضعي الاستراتيجية الإخوانية الكبرى، وفي المقدمة منها ترفيع أشخاص بعينهم إلى مناصب امريكية عليا وحساسة، أملاً في يوم يصل فيه إخوان أمريكا إلى حكم هذا البلد الإمبراطوري، وهنا فإننا لا نغالي ولا نماري، بل هذا هو ما خطط له حسن البنا منذ زمان وزمانين، وما يسعى التنظيم الدولي للإخوان في طريقه حتى الساعة.
تبدو "إلهان عمر" اللاجئة الصومالية المثال الواضح جداً للانتهازية الإخوانية التقليدية، فهي كبقية هذا الفصيل تستخدم الديمقراطية كسلم للوصول إلى الغرض المبتغى مرة واحدة، ثم لا تلبث أن تقزفه بعيداً عنها، ولو قدر لها لأقصت من حولها من غير تردد.
منذ اليوم الأول لها في مجلس النواب وإلهان عمر تمثل حجر عثرة، لا حجر زاوية، ولم توارِ أو تداري توجهاتها، فقد دافعت مراراً عن حماس تلك الجماعة المؤدلجة التي تدور في فلك الملالي تارة وقطر تارة أخرى، وهي الموسومة إرهابية والمعروفة كذلك وفقاً للقانون الأمريكي، وتالياً تبدت علاقاتها كذلك بتركيا.
ولعل الباحث عن علاقة إلهان عمر بجماعة الإخوان المسلمين سوف تدهشه الروابط العديدة التي سيجدها، وكلها تقطع بأنها خلية إخوانية نائمة، وعروسة مسرح في يد داعمي جماعة الإسلام السياسي، ولهذا يشعر المرء بالكراهية تفوح بين سطور كلماتها وتعبيراتها.
في المقابل تسعى الإعلامية العراقية إلى تغيير هذا الوضع المختل، وتعمل على إزاحة عمر من موقعها، مؤمنة بأن لديها مشروعاً يوفق ولا يفرق، يشرح ولا يجرح، يتجاوز الأعراق والأديان، ويقفز على القبليات والعصبيات.
تسعى داليا العقيدي إلى ما يوحد كلمة الأمريكيين في هذا التوقيت الحرج والحساس من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن فعلت جماعات الإسلام السياسي فعلها، وإن كان محدوداً، ناهيك عن الأدوار التي شارك بها اليسار الأمريكي في تقسيم وحدة الصف الأمريكي.
لم تهتم إلهان عمر بالأمريكيين وشؤونهم وشجونهم في هذا التوقيت الحرج للإمبراطورية الأمريكية، التي يتحرك فيها العالم جيوبوليتيكا نحو آسيا، اختصاماً من النفوذ التقليدي الأمريكي، ولا شغلت نفسها بفقراء مينيسوتا المتضورين جوعاً في ليالي البرد القارس، وقد بزتها العقيدي مؤخراً حين ساعدت في إطعام 250 شخصاً بلا مأوى في مينيابوليس التي لا تتذكرها إلهان عمر.
ترى العقيدي أن الرئيس ترامب يعمل بشكل ناجح جداً، وأنه على المستوى الاقتصادي قد قدم الكثير للأمريكيين وأوفى بجل وعوده، وتضع نصب أعينها حال فوزها بمقعد عن الحزب الجمهوري أحوال الأمن في الداخل والخارج، وبقية الشؤون الاقتصادية التي تهم المواطن الأمريكي، وبعيداً عن الوكالة لجهات خارجية.
لا يمكن لإلهان عمر أن تزايد على العقيدي، أو أن تستخدم ضدها سلاح الإسلاموفوبيا الخطير، لتفرغ دعم مسلمي أمريكا لها، أو تستعدي عليها اليمين الأمريكي.
ولهذا فإن حظوظ العقيدي في الوصول إلى مجلس النواب كبيرة في نوفمبر المقبل، لا سيما أنه حين بدأت حملة ترشحها كانت ثلاث دوائر حكومية أمريكية على الأقل تراجع ما وصف بأسوأ انغماس جرمي لمسؤول أمريكي منتخب، أي إلهان عمر، والتحقيقات تدور حول شبهات في ثماني حالات من الحنث باليمين، واحتيال الهجرة، واحتيال في الزواج، وهذا أمر لا يمكن أن يقبله الأمريكيون رغم مساحة الليبرالية الواسعة التي يتمتعون بها، والحريات الشخصية المتاحة لهم.
عطفاً على ذلك هناك شبهات حول ثمانية أعوام من الاحتيال الضريبي على مستوى الولاية وعلى المستوى الفيدرالي، وكذا الاحتيال بالقروض الفيدرالية للطلاب لمدة عامين، والطامة الكبرى شبهات حول الزواج من رجلين في الوقت نفسه.
داليا العقيدي هي الفرصة السانحة لمسلمي أمريكا للخلاص من إلهان وكيلة الإخوان.
الخلاصة.. الكراهة لا تفيد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة