نظام طهران ساقط لا محالة. والسبب لا يكمن فقط في أثر العقوبات على الاقتصاد الإيراني، وإنما في طبيعة النظام نفسه أيضا
الوثائق التي تثبت أوجه العمالة لإيران بين المسؤولين العراقيين على كثرة المتاح منها، لا تضيف جديداً إلى ما يعرفه العراقيون ويرونه كل يوم. ومنذ مقتل قاسم سليماني إلى يومنا هذا، صار صوت الفضيحة أعلى.
العراقيون، في الأساس، يتظاهرون لأن أولئك المسؤولين بكل من فيهم يجمعون بين العمالة والفساد جمع شرط وتلازم. ولهم في كل ذلك قناعات عمائمية تُجيز الباطل وتبرر الفشل، وتوفر لكل جريمة عذراً.
الجديد، ليس هو أن هناك وثائق يمكنها أن تفتح الطريق على وثائق أشد فضيحة وأعنف عاراً، وإنما هو الظرف الذي تتحول فيه العمالة إلى سلوك وحشي.
الإيرانيون يعرفون أن مليشيات نظامهم تحكم بالقسوة والعنف. ولكن الجمر الذي يكوي المظلومين بلقمة عيشهم، لم يبقَ لهم خيار غير أن يطلبوا التغيير.. إيران تتغير كل يوم، ما لم يتغير بعد.. هو النظام.
في ظروف أخرى، كان يمكن لأولئك المسؤولين أن يتفاخروا بما يفعلون. ولقد عبروا عن ذلك مراراً وتكراراً، حتى لكأنهم بعمالتهم لإيران وارتباطهم بأجهزة مخابراتها ومصالحها، يقومون بعمل بطولي، ولو كان على حساب مصالح الشعب الذي يحكمون.
ولك في زعيم حزب إيران في لبنان خير دليل على ذلك. فهو يتفاخر بذلك الارتباط، بل إنه أعلنه منهجاً واتخذه طريقاً، وكل الناس ينظرون.
الجديد الحقيقي هو أن هناك انتفاضة تشتعل في كل أطراف المشروع الطائفي، وتبلغ نيرانها لحية الولي الفقيه نفسه.
على ماذا يراهن عملاء هذا المشروع في خيانتهم العظمى وفسادهم المكشوف؟
إنهم يراهنون على إيران فحسب. لعلهم يأخذون ما نهبوا إلى هناك، وينتظرون من وليهم الفقيه أن يوفر لهم الحماية. وهم إذ يرتكبون ما شاء لهم الهوى من جرائم وانتهاكات، فلأن كل ذلك قابل للتغطية في طهران، بل إنه جزء من موازين الاستخذاء لصاحبهم وولي أمرهم.
ولكن ماذا لو بلغ الحريق في إيران مبلغ انهيار النظام؟ عندئذ، ماذا يبقى لهم؟ ومن ذا الذي سوف يحميهم ويحمي ما نهبوا؟ بل من ذا الذي سيكون بوسعه أن يتفاخر بالجريمة أو يقدمها كعمل بطولي؟
عندما يسقط النظام في إيران، فانهم سوف يخسرون كل شيء. إذ لن يوفر لهم أحد الحماية ولا التبرير، وسوف تجرى ملاحقتهم أينما ذهبوا.
لقد نظروا إلى انتفاضة العراقيين بمقدار من الاستخفاف، ظناً منهم أنهم يستطيعون سحقها، وأنهم إذا حولوا ساحات التظاهر السلمي إلى مجازر فانهم سوف ينجون بما فعلوا، طالما كان شيطان الولي الفقيه في ظهرهم. ولكن من ذا الذي يقف في ظهر ولي الشيطان نفسه؟
هذا هو السؤال الحرج. ولئن انطلقت مليشيات الحشد الشعبي بعد أن رأت وليها الفقيه يخطب والبندقية في جواره، فقد تلقت الرسالة، لتطلق النار في محاولة لقمع المتظاهرين، فلأنهم أدركوا أنهم يدافعون عن حائطهم الأخير.
ولكن نظام طهران ساقط لا محالة. والسبب لا يكمن فقط في أثر العقوبات على الاقتصاد الإيراني، وإنما في طبيعة النظام نفسه أيضاً، وفي منهجه التخريبي، وفي عجزه عن رؤية ما يتغير في إيران ذاتها، دع عنك محيطها الإقليمي والدولي.
الطبيعة المليشياوية للنظام الإيراني، هي بحد ذاتها مصدر رئيسي للفساد. وموارد إيران التي ظلت منهوبة لعدة عقود من الزمن، كان من طبيعة هذا النظام أن يبددها، وأن يقود البلاد بها الى فشل اقتصادي متراكم.
أما منهجه التخريبي، فقد جعل إيران عدواً لشعوب كل المنطقة. الكل الآن يكره إيران، وينظر إليها كأحد أبرز مصادر الشر. وإذا نظر المرء إلى الحصيلة الدموية الهائلة التي تكلفتها التدخلات الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فإنه سوف يرى بوضوح أن تلك الحصيلة جمعت ملايين الضحايا وأسفرت عن "تصدير الفشل" إلى كل الذين سعت إلى الهيمنة عليهم، بدلا من "تصدير الثورة".
في الوقت نفسه، فإن إيران الاجتماعية تتغير. بين عام 1979 و2020 توجد أربعة عقود مر من تحت جسورها الكثير من المياه.
لقد نشأت خلال هذه العقود أجيال لم تعرف من قياداتها إلا سفك الدماء والحروب والانهيار الاقتصادي. هذه الأجيال التي تعاني الفقر والبطالة الآن، لم يعد لديها ما تخسره عندما تنتفض ضد سلطة ومليشيات العمائم. وهناك صدام ثقافي حاد، بين ما نامت عليه تلك العمائم وبين ما يصحو عليه الشباب كل يوم.
الكل يعرف حجم وطبيعة الترهيب الذي يمارسه الباسيج والحرس الثوري. الكل يعرف أنهم جلادون ويمكنهم أن يسحقوا بالحديد والنار أي تجمع مناهض لسلطتهم. ولكن الانتفاضات ظلت تتصاعد. وهي لم تخمد أبداً، لأن جمر الفقر والبطالة والحرمان ظل يتقد في نفوس الجميع.
الإيرانيون يعرفون أن مليشيات نظامهم تحكم بالقسوة والعنف. ولكن الجمر الذي يكوي المظلومين بلقمة عيشهم، لم يبقَ لهم خيار غير أن يطلبوا التغيير.
إيران تتغير كل يوم. ما لم يتغير بعد هو النظام. وبعقوبات اقتصادية أم بغيرها، فقد أصبح سقوطه حقيقة من حقائق الواقع.
الأسئلة البسيطة التي تواجه أتباعه في العراق ولبنان واليمن، من بعد ذلك، هو: "إلى أين تذهبون؟ أفليس من الأهون، أن تتقوا ملاحقات لن تنتهي إلا وأنتم في السجون؟".
لو سألهم المرء اليوم: أيهما أغلى عليكم، جنى الفساد أم رأس الولي الفقيه؟، فإنهم بالنفاق المألوف، قالوا، رأس الولي الفقيه. ولكن عندما يتدحرج الرأس في هاوية ما صنع، فلا شك أن جني الفساد سيكون أغلى ساعتها. ولكن لات ساعة مندم. فالأوان، إذ ذاك، سيكون قد فات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة