مخزون أمريكا.. هل يتحمل الضغط العالي أوزان حربي إسرائيل وأوكرانيا؟
افتقرا للأُلفة في وقت الرخاء، لتجمعهما الحرب وتضعهما في اختبار جديد أمام مخزون قد ينضب.. إنهما بايدن ونتنياهو.
فالرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، الحليفان اللذان افتقرا للمودة، يستعدان لاختبار جديد للعلاقة فرضته الحرب على غزة.
وفي الأيام الأخيرة، أكد المسؤولون الأمريكيون دعمهم الثابت لإسرائيل، دبلوماسيا وماليا وعسكريا.
وكان بايدن، الذي انتقد في السابق حكومة نتنياهو اليمينية، واضحا في خطاب ألقاه في البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الأسبوع: "نحن نقف مع إسرائيل... وسنتأكد من أن لديها ما تحتاجه لرعاية مواطنيها، والدفاع عن نفسها، والرد على هذا الهجوم" المباغت الذي شنته حماس، السبت قبل الماضي.
وخلال زيارته إلى إسرائيل، الخميس الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي ظهر إلى جانب نتنياهو: “قد تكون قويا بما يكفي للدفاع عن نفسك، ولكن طالما أن أمريكا موجودة، فلن تضطر إلى ذلك أبدا. سنكون هناك دائمًا بجانبك".
وبينما قال المسؤولون الأمريكيون إنهم لن يرسلوا قوات إلى إسرائيل، تظل الولايات المتحدة أيضا منخرطة بعمق في دعم الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن.
وهو ما بدا واضحا في حاملات صواريخ موجهة ومقاتلات من طراز إف-35 أرسلتها واشنطن من بين معدات أخرى، ومن المرجح أن يأذن الكونغرس بتقديم مساعدات إضافية أيضا.
لكن يتساءل كثيرون حول سعة المخزون الأمريكي لإسرائيل في ظل الحرب الأوكرانية التي ما زالت تحلب خزينة واشنطن والغرب؟
للإجابة على هذا السؤال، كتب غرانت روملي، المستشار السابق لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي، ورقة بحثية نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يوم ١٢ أكتوبر/تشرين الأول الجاري، "تبدو الإدارة الأمريكية مرتاحة لمستوى الدعم الدفاعي"، لكن المستوى والحدة سيختلفان مع تغير شكل ومستوى الأزمة.
بالإضافة إلى ذلك، أكد بايدن، في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وجود أمريكيين بين الرهائن المحتجزين في غزة، وأشار في اليوم الذي سبق ذلك إلى أنه أعطى توجيهاتٍ إلى فريقه من أجل "العمل مع نظرائهم الإسرائيليين في كل جانبٍ من جوانب أزمة الرهائن، من بينها تبادل المعلومات الاستخباراتية ونشر الخبراء من مختلف أقسام الحكومة الأمريكية.
كما أشارت التقارير إلى أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، أصدر تعليماته لفرق العمليات الخاصة المعنية بإنقاذ الرهائن من أجل "الانخراط" في دعم إسرائيل وجهودها الرامية إلى تحرير الرهائن، وذلك من خلال جهود التخطيط والاستخبارات بشكلٍ أساسيٍ.
ومع ذلك، يرى روملي، أن هذه الجهود تكمن وراءها الرغبة في إبقاء دور الولايات المتحدة "مقتصراً على التشاور"، في مسألة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة.
سيناريوهات الدعم
وعن سيناريوهات الدعم الأمريكي في ظل الأزمة المتصاعدة، كتب روملي "طالما بقيت الحرب مقتصرة على إسرائيل وحماس في غزة، فمن المرجح جداً أن تُواصل واشنطن تأدية هذا الدور المتمثل في دعم تسليحي ومشورة في مسألة الرهائن".
وتسعى إسرائيل للحصول على صواريخ اعتراضية لنظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية"، وذخائر موجهة بدقة، وطلقات ذخيرة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات الإقليمية الأخرى.
وتُعتبَر هذه الطلبات استباقية، وتم تقديمها على الأرجح تحسباً لنشوب صراع طويل الأمد يؤدي إلى نفاذ المخزونات الإسرائيلية.
وبدأت الولايات المتحدة بتلبية بعض هذه الطلبات على الفور، ففي 10 أكتوبر، أفاد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، بأن بعض الصواريخ الاعتراضية قد تم تسليمها لتل أبيب بالفعل.
وأمس الأحد، قال سوليفان لشبكة "سي بي إس" الأمريكية، إن إدارة بايدن تأمل في الدفع بحزمة أسلحة جديدة لإسرائيل وأوكرانيا من خلال الكونغرس، ستكون أعلى بكثير من ملياري دولار.
وأوضح أن بايدن سيجري محادثات مكثفة مع الكونغرس، هذا الأسبوع، حول الحاجة إلى الموافقة على الحزمة.
ومن غير الواضح كيف سيتم تمرير أي مشروع قانون عبر الكونغرس بدون رئيس مجلس النواب.
وردا على سؤال عما إذا كان الطلب سيكون ملياري دولار، كما ورد سابقا، أجاب سوليفان: "الرقم سيكون أعلى بكثير من ذلك، لكنه، كما قلت، سيشمل بالتأكيد المعدات العسكرية اللازمة للدفاع عن الحرية والسيادة، والسلامة الإقليمية في أوكرانيا، ولمساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وأدت الصعوبات التي يواجهها الجمهوريون لاختيار رئيس لمجلس النواب بعد الإطاحة بكيفن مكارثي، قبل نحو أسبوعين، إلى تأجيل اتخاذ إجراء بشأن التشريع، بينما تستعد إسرائيل لحرب برية ضد حماس في غزة، ويحذر مسؤولون أمريكيون من احتمال تصاعد الأزمة إقليميا.
وهو بالفعل ما نوّه إليه روملي بالقول" إذا اتسعت رقعة الصراع مع انضمام جهات فاعلة أخرى متحالفة مع إيران مثل حزب الله اللبناني (على الحدود الشمالية)، فسيتعين على إدارة بايدن دراسة احتمال التدخل العسكري من ثلاث وجهات نظر".
وجهة النظر الأولى- بحسب المستشار السابق- هي كيفية تقييم الإدارة الأمريكية لقدرة إسرائيل على التعامل مع حربٍ متعددة الجبهات بمفردها، وقد يشمل ذلك تقييمات إسرائيل لقدراتها الخاصة أيضاً، وما إذا كانت تل أبيب ستطلب المزيد من التدخل الأمريكي المباشر.
فيما تتمثل وجهة النظر الثانية، في "ما إذا كانت القوات الأمريكية أو المدنيون الأمريكيون الموجودون حالياً في المنطقة معرضين للتهديد أو انخرطوا بالفعل في الأعمال العدائية"، وفق الكاتب ذاته.
وأضاف "وجهة النظر الثالثة هي ما إذا كان بايدن يواجه ضغوطاً شعبيةً كبيرةً للتدخل عسكرياً".
واستدرك قائلا "ومع ذلك، إذا اختارت الولايات المتحدة عدم المشاركة مباشرة (بعد تقييم وجهات النظر الثلاث)، فيمكنها أن تنظر في طرقٍ أخرى لردع الجهات الفاعلة الإضافية عن التدخل. ويمكن أن يشمل ذلك عروضاً مبتكرة للقوة تنفذها الأصول الأمريكية في المنطقة، مثل إظهار قدرات مجموعة حاملة الطائرات الهجومية (إما بشكل مستقل أو مع قوات شريكة) من خلال التدريبات وممارسة تمارين المحاكاة قبالة الساحل اللبناني لإرسال رسالة ردع إضافية إلى حزب الله وإيران".
الكاتب لفت أيضا إلى أن "مدة الحرب وتوسعها الأفقي المحتمل ستؤثر أيضا في قدرة واشنطن على مواصلة تقديم الإمدادات لإسرائيل. وحالياً يصرّ المسؤولون الأمريكيون على أن المخزونات كافية لدعم كلٍ من أوكرانيا وإسرائيل".
وتابع "أحد الأسباب لذلك هو أن جزءاً كبيراً مما قدّمته الولايات المتحدة لأوكرانيا حتى الآن (منصات المدفعية والقذائف المرتبطة بها) لا يتداخل إلى حدٍ كبيرٍ مع ما طلبته إسرائيل (صواريخ اعتراضية من طراز "القبة الحديدية" وذخائر موجهة بدقة تُطلق من الجو)".
ومضى قائلا "إذا تغير ذلك، فقد يزداد الضغط على المخزون العالمي الأمريكي. وظهرت بالفعل تكهنات حول حالة مخزون الأسلحة الأمريكية في إسرائيل، أي "مخزون احتياطي الحرب من الذخيرة لتل أبيب"، الذي استخدمته الولايات المتحدة في بداية العام لنقل الإمدادات إلى أوكرانيا".
الكونغرس وإشباع المخزون
ووفق روملي، أشار المسؤولون الأمريكيون في الشؤون الدفاعية إلى أن الصناعة تعمل على تكثيف الإنتاج لتجديد هذه المخزونات والقدرات الأخرى، لكن ذلك لا يزال قيد التنفيذ.
وفي أي صراع طويل الأمد، من المرجح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى تمويل إضافي من الكونغرس ليس فقط لتزويد إسرائيل بمناهج العمل القائمة، بل لتعزيز خطوط الإنتاج المحلية أيضاً، وفق الكاتب ذاته.
روملي انتقل إلى نقطة أخرى شديدة الأهمية، وهي تأثير الأزمة الحالية على موقف الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وسياستها المتمثلة في إعادة هيكلة دورها ووجودها في المنطقة، والذي شمل خفض عدد قواتها فيها.
واعتبر أن الهجوم على إسرائيل والحرب اللاحقة في غزة يمثلان "اختباراً آخر لرغبة الولايات المتحدة في تحويل الاهتمام إلى الصين وروسيا في عصر المنافسة بين القوى العظمى".
مستطردا في هذا السياق "كان الشرق الأوسط مركز التحول في التركيز العسكري للولايات المتحدة: فقد تقلص وجود القوات الأمريكية في المنطقة في السنوات الأخيرة، من حوالي 90 ألف جندي في عام 2020 إلى حوالي 34 ألف جندي في عام 2023، حيث قامت واشنطن بنقل المصادر للتركيز على مناطق أخرى".
لكن إذا أرادت واشنطن مواصلة دعم شركائها على الصعيد العالمي مع الاستعداد لمنافسة طويلة المدى مع الصين. فسوف تحتاج إلى تفكير ابتكاري مستمر في نشر القوات العسكرية وجهود متضافرة من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) لتوسيع القاعدة الصناعية الدفاعية من أجل توفير دعم دائم وهادف للشركاء في الخارج.. هكذا يرى المستشار السابق لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي.
ما هو حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل؟
وفق تقارير إعلامية أمريكية، تتلقى إسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة 3.8 مليار دولار من الولايات المتحدة سنويا بموجب مذكرة موقعة في عام 2019.
ويمثل ذلك حوالي 16 بالمائة من إجمالي الميزانية العسكرية لإسرائيل في عام 2022 .
ويقول مايكل حنا، مدير الولايات المتحدة لمجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة تركز على منع الصراعات، لموقع "Vox" الأمريكي: "لعبت العلاقة مع الولايات المتحدة دورا كبيرا في تعزيز تطور القوات المسلحة الإسرائيلية".
ولفت إلى أن "علاقة تل أبيب بالولايات المتحدة فريدة من نوعها في المنطقة، ويتجلى ذلك في التزام واشنطن بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل".
لماذا تعتقد الولايات المتحدة أن دعم إسرائيل يصب في مصلحتها؟
تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات تاريخية واقتصادية قوية مع إسرائيل.
والولايات المتحدة، التي دعمت إنشاء دولة يهودية منذ الحرب العالمية الثانية، هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، حيث تبلغ التجارة الثنائية السنوية ما يقرب من 50 مليار دولار في السلع والخدمات.
وفي الآونة الأخيرة، كانت إسرائيل ركيزة أساسية لهدف الولايات المتحدة المعلن المتمثل في خلق "شرق أوسط متكامل ومزدهر وآمن" في حين تتطلع إلى تحويل تركيزها إلى أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك روسيا والصين. بحسب الموقع نفسه.