بايدن وبوصلة حرب غزة.. سياسيون أمريكيون يكشفون معضلة الهدنة والانتخابات
تُحرك حرب غزة عواصف الانقسام السياسي في الحزب الديمقراطي بأمريكا، لتضع الرئيس جو بايدن في جهة، ومنتقدين متزايدين بالجهة المقابلة.
وتحدث حالة من "التغير التدريجي" بمواقف عدد من النواب الديمقراطيين بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس؛ لصالح الوقف الفوري لإطلاق النار، وذلك مع استمرار قصف إسرائيلي وحصار كامل على قطاع غزة، ردا على هجمات شنتها الحركة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تغيرٌ يتزامن مع تراجع نسبي، في موقف الحكومة الأمريكية المؤيد بشكل مطلق لإسرائيل، في ظل طول مدة الحرب، ورفض شعوب العالم الانتهاكات بحق المدنيين، إضافة إلى تصريح وزير في الحكومة الإسرائيلية برغبته في إلقاء قنبلة نووية على غزة.
ورغم هذا التغيير الجزئي، يقول أعضاء في الحزب الديمقراطي وسياسيون، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، إن المساعدات الأمريكية لإسرائيل خاصة العسكرية لن تتوقف، دون أن يستبعدوا في الوقت ذاته أن تفرض واشنطن بعض القيود والشروط على تلك المساعدات، مع استمرار سقوط المزيد من المدنيين الفلسطينيين.
تهديد
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، نعمان أبو عيسى، إن "الحزب مهدد بالانقسام السياسي، مع تصاعد الأصوات الداعية للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، داخله، وعدم رضاهم عن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل"، مشيرا إلى تراجع تأييد أصوات العرب الأمريكيين لبايدن في استطلاعات الرأي.
وفي تقديره، فإن الإدارة الأمريكية "ستتحول من الدعم المطلق لإسرائيل إلى موقف يراعي الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي".
ومع تأييده المطلق لإسرائيل منذ بداية الحرب، انخفض معدل شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن بين الديمقراطيين إلى مستوى قياسي بلغ 75%، بانخفاض قدره 11 نقطة مئوية مقارنة بالشهر الماضي فقط، وفقا لاستطلاع جديد أجرته مؤسسة "غالوب" في الفترة ما بين 2 و23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأعرب العديد من الأمريكيين المسلمين والعرب، الذين يعتبرون أنفسهم ناخبين ديمقراطيين مخلصين، عن شعورهم بـ"الخيانة" بسبب دعم بايدن للحملة العسكرية الإسرائيلية، وفق ما ذكر موقع أكسيوس الأمريكي.
وقال النائب الديمقراطي عن ولاية ميشيغان، العباس فرحات، لشبكة "إن بي سي نيوز" قبل أيام: "لقد أدى جو بايدن بمفرده إلى نفور كل ناخب أمريكي عربي ومسلم تقريبا في ميشيغان".
كما أبلغت قيادات الجالية العربية والمسلمة الأمريكية، بولاية ميشيغان، قيادة الحزب الديمقراطي المحلية والوطنية، بعدم رضاهم على موقف الدعم الكامل، الذي أعلنته إدارة بايدن لإسرائيل في الحرب الجارية حاليا في قطاع غزة.
شروط على المساعدات؟
وحول تأثير تغيير مواقف عدد من النواب الديمقراطيين لصالح وقف إطلاق النار، على المساعدات الأمريكية لإسرائيل، قال أبو عيسى: "نعم.. من الممكن أن تضع واشنطن بعض الشروط على المساعدة، لكنها لن تتخلى كلية بالطبع عن تل أبيب".
ويرى الدكتور مهدي عفيفي، العضو في الحزب الديمقراطي الأمريكي، والكاتب والمحلل السياسي والاقتصادي، في حديث خاص من واشنطن لـ"العين الإخبارية، أن "هناك تغيير في موقف بعض نواب الحزب، حتى في الخطاب السياسي، لكن الإدارة الأمريكية لم تغير رأيها حتى اللحظة، وهو ما ظهر مؤخرا خلال لقاء وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بوزراء الخارجية العرب"، حيث عبّر عن رفضه لدعوات "وقف إطلاق النار".
لكن بلينكن أكد في الوقت ذاته، أن الولايات المتحدة تدعم "هدنات إنسانية" في النزاع المستمر بين إسرائيل وحركة حماس.
"لن يحدث تغيير"
عفيفي أوضح أن "إدارة بايدن تدعم إسرائيل دعما كاملا، باعتبار الأخيرة أهم شريك لواشنطن"، مضيفا "تغير مواقف 10 أو 20 نائبا ديمقراطيا في الكونغرس (من بين 535 عضوا بينهم 100 بمجلس الشيوخ)، لن يغير كثيرا في الموقف الأمريكي".
وتابع "هناك تصميم أمريكي على دعم إسرائيل مهما كان الثمن، ولا يوجد تغيير في المساعدات العسكرية المقدمة لتل أبيب".
جبريال صوما، عضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب، قال إنه "مع ارتفاع أعداد الضحايا في صفوف المدنيين بغزة، بات هناك شبه انقسام في الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بالوضع في فلسطين، وموقف الإدارة الأمريكية، في ظل وجود عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي يميلون إلى مساعدة أو دعم الفلسطينيين".
وفي حديث خاص من واشنطن، لـ"العين الإخبارية"، قال صوما "لن يحدث تغيير كبير في الموقف الأمريكي، ولن تخفض الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لإسرائيل".
وفسر ذلك بالقول "نحن على أعتاب انتخابات رئاسية في العام المقبل، ما يعني أن المرشحين للرئاسة سوف يتنافسون على من سيقدم مساعدات أكبر لإسرائيل.. وهناك أكثر من 80% من الشعب الأمريكي يريد مساعدة إسرائيل".
ولفت إلى أن مجلس النواب الأمريكي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية ضئيلة للغاية، وافق الأسبوع الماضي على تخصيص ما يقرب من 14.3 مليار دولار كمساعدات لإسرائيل.
استثناء
بدوره، يرى الدكتور نبيل ميخائيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، في حديث خاص من واشنطن لـ"العين الإخبارية"، أن هناك إمكانية لتغير موقف بايدن في الحرب على غزة.
ميخائيل شرح الحالة التي يمكن أن تحدث تغيرا في موقف بايدن، بقوله "تتمثل هذه الحالة في تغيير موقف النواب الأمريكيين من أصول أفريقية من الحرب لصالح دعم فلسطين.. وهذه نقطة حرجة بالنسبة للرئيس الأمريكي".
ومضى موضحا "بايدن يخشى أن يفقد تأييد الأمريكيين من أصول عربية وأفريقية، لأنه يحتاج إلى أصواتهم في الانتخابات المقبلة، حيث فاز في السباق الرئاسي ضد دونالد ترامب بعد حصوله على أصوات نحو عشرين مليون مواطن أمريكي من أصل أفريقي وعربي".
وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا، الأحد، أن الرئيس بايدن يتخلف عن المرشح الجمهوري دونالد ترامب في خمس من أصل ست "ولايات حاسمة"، قبل عام بالضبط من الانتخابات الرئاسية.
ويتقدم ترامب في أريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وبنسلفانيا، بينما يتقدم بايدن في ويسكونسن.