"بيل غيتس الجمهوريين".. صدمة واضطراب وشبح ترامب
في مكتبه المريح بأريزونا، لا يزال المسؤول الانتخابي بيل غيتس يجد أحيانا صعوبة في تقبل إصابته باضطراب ما بعد الصدمة.
وهذا النوع من الأمراض عادة ما يُشخص لدى المحاربين القدامى في أفغانستان أو ضحايا الاغتصاب أكثر منه لدى شخص يشرف على الانتخابات الرئاسية.
لكن انتخابات عام 2020 الاستثنائية قلبت حياة هذا الجمهوري المخلص رأساً على عقب، كما حدث مع عدد كبير من المسؤولين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
فمنذ رفضه تأييد مزاعم دونالد ترامب بشأن حدوث تزوير في الانتخابات وتثبيت هزيمته في أكثر مقاطعات أريزونا اكتظاظاً بالسكان، واجه الرجل البالغ من العمر 51 عاماً سيلاً من التهديدات والمضايقات.
وفي النهاية، استنفد الغضب قواه، فسعى إلى طلب العلاج.
"خيانة"
يقول غيتس "قالت لي المعالجة النفسية: إنك تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، عانيتَ من صدمة كبيرة وجرى الأمر في المجال العام".
ويضيف نقلاً عن المعالجة "نزاهتك مهمة جدًا بالنسبة لك. وقد تمّ التشكيك بها بشكل يومي... عائلتك تعرّضت للتهديد وتعرّضت أنت نفسك للتهديد".
وهزم جو بايدن ترامب بأكثر من 10 آلاف صوت في ولاية أريزونا، في ما يعدّ فوزاً ديمقراطياً نادراً بالولاية الجنوبية الغربية، غير أنّه أصبح محوراً لنظريات مؤامرة.
ويتحمل مجلس المشرفين في مقاطعة ماريكوبا، الذي يشغل فيه غيتس مقعداً بعد أن ترأسه سابقاً، وطأة هجمات اليمين المتطرّف.
وعلى الرغم من ضغوط ترامب ومناصريه المتكرّرة في الحزب الجمهوري، صدّق هذا المجلس على النتائج.
ووصف غيتس بأنه "خائن" من قبل كثيرين في حزبه.
ويقول الأب لثلاثة أولاد: "أصبحت التهديدات بالقتل نوعاً من الضوضاء الثابتة في الخلفية"، سواء على هاتفه أو بريده الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي.
ويضيف "تلقّينا بعضاً من أبشع التهديدات التي يمكن تخيّلها. غرّد أحد الأشخاص قائلاً إنّه يجب اغتصاب بناتنا"، حتّى أنّ الأسرة اضطُرّت إلى مغادرة منزلها مؤقتاً عدّة مرّات حرصًا على سلامتها.
وفي هذه الأثناء، خلصت عمليات إعادة الفرز والتدقيق والاستفسارات القضائية التي أُجريت في ولاية أريزونا منذ العام 2020، إلى أنه لم يكن هناك احتيال.
غير أنّ ذلك لم يمنع غيتس، المحامي الذي تلقّى تعليمه في جامعة هارفارد، من الشعور بأنّه "تعرّض للخيانة" من قبل أعضاء حزبه وراكم الشعور بالاستياء.
وفي مايو/ أيار الماضي، انهار غيتس بعد إلقاء خطاب التأبين في جنازة عضو زميل في الحزب الجمهوري. وبدأ وهو يتحدث لشخص مقرب منه بالصراخ والإشارة بغضب إلى أعضاء الحزب الجمهوري الآخرين الحاضرين الذين لم يهبوا لمساعدته خلال المحنة.
وفي اليوم التالي، حثّته زوجته على الخضوع للعلاج بعد أن حُرم من النوم وفقَد شهيّته وروح الدعابة، وكان أحياناً يبكي خلال المقابلات مع الصحافة.
عن ذلك يقول: "كنت أمتلئ غضبًا .. شعرت وكأنني شخصية كرتونية حمراء تماماً من الداخل".
"جبان"
لم يخضع غيتس للعلاج من قبل وحصل من خلاله على المساعدة التي كان يحتاج إليها. وعن تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة لديه، يقول: "حتى يومنا هذا... أجد صعوبة في تقبل هذا المصطلح واعتبار أنه ينطبق على ما مررت به".
ولكنه وجد في العلاج مساعدة قيّمة لفهم وضعه على نحو أفضل.
ويتابع: "لقد تقبلت الأمر... لا يمكنني تغيير ما يفكر به بعض زملائي الجمهوريين واعتقادهم بأنني خائن، أو أنّ آخرين كانوا جبناء ولم يدافعوا عنّي".
كذلك، ساعده ذلك على الاستعداد لانتخابات أكثر اضطراباً في ولاية أريزونا.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شهدت عملية الاقتراع خلال الانتخابات النصفية عرقلة بسبب مشاكل فنية في بعض آلات التصويت بمقاطعة ماريكوبا.
وكان ذلك كافياً لتأجيج اتهامات التزوير من جانب الترامبيين المهزومين، الذين صدّتهم المحاكم.
لكن غيتس يؤكد أنّ "أحداً لم يُحرم من حقّه في التصويت"، وذلك بعدما سعى إلى حلّ المشكلة بكلّ شفافية أمام وسائل الإعلام في العالم بأسره.
وبينما ما زال في منصبه، يتعيّن عليه الإشراف على الانتخابات الرئاسية للعام 2024 والتي تتوقع استطلاعات الرأي حدوث مواجهة جديدة خلالها بين ترامب وبايدن.
ولكن قبل هذه الانتخابات، ما زال هذا بيل غيتس الجمهوري "قلقاً" بشأن الأجواء المسمومة والمعلومات المضلّلة السائدة في الولايات المتحدة. وبعد كسر حاجز الصمت، يشجّع نظراءه على الاهتمام بصحّتهم النفسية.
ولفت غيتس إلى أنه لن يترشح لإعادة انتخابه عضوًا في مجلس المشرفين في ماريكوبا بعد نهاية فترته في 2024.
ومناصب هؤلاء المسؤولين الانتخابيين الحاسمة لعمل الديمقراطية تُستهدف بشكل متزايد من قبل مرشّحين يتبنّون علانية نظريات المؤامرة وينجحون أحيانًا في ذلك.
وفي هذا الإطار، يحذّر غيتس من أن هذه المشكلة لم تحل بعد، مضيفاً أنّ "انتخابات العام 2024 مهمّة للغاية بالنسبة لمستقبل هذا البلد الديمقراطي".