إسرائيل وترامب وأسئلة العودة.. بوصلة التسويات تهدد «صك الضمانات»
كثيرون يعتقدون أن عودة دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية تمنح إسرائيل «شيكا على بياض»، لكن هل سيكون الوضع كذلك فعلا؟
ومنذ أكثر من عام، تقدّم الولايات المتحدة الأمريكية دعما ثابتا لإسرائيل في حربها مع حركة حماس في قطاع غزة، مع الضغط عليها لممارسة شيء من ضبط النفس.
- ترامب وحبل أوكرانيا المشدود.. «كوميديا سوداء» في زمن الحرب
- «عدوانية بلا حدود».. ماذا تخبئ أول 100 يوم في ولاية ترامب؟
لكن هذا الهامش الضئيل سيزول مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ولو أن رغبته العارمة في إنجاز تسويات قد تدفعه إلى مواقف لا يمكن التكهن بها.
وخلافا لكل الرؤساء الأمريكيين السابقين، لم يلتزم ترامب يوما بالعمل على قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وهو على رأس حزب جمهوري مؤيد لإسرائيل إلى حدّ أن بعض مراكزه وزعت خلال الحملة الانتخابية أعلاما إسرائيلية إلى جانب لافتات تأييد لترامب.
ويتباين هذا المشهد مع الوضع لدى الديمقراطيين، إذ واجه بايدن انتقادات شديدة من يسار حزبه بسبب دعمه لإسرائيل.
ولم يتردد سفيرا بايدن إلى إسرائيل في انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أحيانا، أما ترامب فقد اختار لهذا المنصب القسّ المسيحي الإنجيلي مايك هاكابي الذي يستند في دفاعه عن إسرائيل إلى الكتاب المقدس.
وبين التعيينات الجديدة، طرح الرئيس المنتخب السناتور ماركو روبيو، أحد الصقور المعروف بمواقفه المناهضة لإيران، لوزارة الخارجية، والنائبة إليز ستيفانيك التي ندّدت بطريقة تعامل الجامعات الأمريكية مع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، سفيرة لدى الأمم المتحدة.
ويقول مدير معهد "ميسغاف" الإسرائيلي للدراسات آشر فريدمان "إنهم مؤيدون لإسرائيل أكثر من معظم الإسرائيليين".
ويتوقع أن يعتمد ترامب نهج "أمريكا أولا" القائم على الحد من استخدام الموارد العسكرية الأمريكية وتركيز سياسته على التصدي للصين، ما يعني في آن إمداد إسرائيل بالوسائل لمقاتلة أعدائها والتشجيع على تطبيع علاقاتها مع الدول العربية.
ويقول فريدمان "هناك فعلا احتمال كبير بتغيير النهج في عدد من المجالات مثل تطوير التعاون الإقليمي وممارسة ضغوط قصوى على إيران".
طي صفحة نهج بايدن
زار بايدن تل أبيب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بعد أيام على شن حماس هجومها غير المسبوق على الدولة العبرية مطلقة شرارة الحرب، فعانق نتنياهو وأعرب عن اعتزازه بدعم إسرائيل.
لكن بعد ذلك، وجّه بايدن مرارا انتقادات لنتنياهو بسبب حصيلة الحرب الفادحة بالأرواح، وسعى عبثا لردع إسرائيل عن فتح جبهة ثانية مع حزب الله في لبنان.
وأمهل وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان أنتوني بلينكن ولويد أوستن إسرائيل في رسالة في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شهرا للسماح بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة، تحت طائلة تعليق جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية لها.
غير أن الإدارة الأمريكية قررت في نهاية المطاف عدم تنفيذ وعيدها رغم عدم التزام تل أبيب بسلسلة من المعايير التي طلبتها منها، لا سيما السماح بدخول 350 شاحنة على الأقل يوميا إلى غزة.
ولم يؤثر تقرير جديد مدعوم من الأمم المتحدة حذّر من خطر مجاعة وشيكة في قطاع غزة، على الموقف الأمريكي.
وفي تصريحات إعلامية أدلى بها قبل يومين، قال بلينكن إن هذا التهديد جعل إسرائيل تشعر بـ"حاجة ملحة" للتحرك، مشيرا إلى أنها لبّت 12 من المطالب الأمريكية الـ15.
وترى أليسون ماكمانوس من مركز التقدّم الأمريكي أن الرسالة أعطت إدارة بايدن فرصة لتشديد سياستها، لكن الرئيس أراد أن يكون إرث ولايته "دعما شبه مطلق" لإسرائيل.
لا اتفاق سهلا
بالرغم من موقفه بشأن قيام دولة فلسطينية، يتباهى ترامب بالسعي لعقد اتفاقات تاريخية.
ويتحدّث ماكمانوس "عن عالم قد يشهد تعنّت نتنياهو، كما فعل خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، وبالتالي لن أُفاجأ حينها إن رأينا ترامب يمارس فعليا بعض الضغوط".
ويلفت المستشار السابق في وزارة الخارجية آرون ديفيد ميلر إلى أن ولاية ترامب الأولى أظهرت أنه يعتمد سياسة خارجية "انتهازية تقوم على الصفقات ومعالجة الملفات بشكل منفرد".
لكنه يرى أن ترامب سيصطدم بالعقبات ذاتها التي واجهها بايدن إن حاول التوصل إلى اتفاق حول غزة، وفي طليعتها خطر استمرار حركة حماس وعدم وجود منظومة أمنية جديدة في المنطقة حتى الآن.
ويقول ميلر الباحث في "معهد كارنيغي للسلام الدولي إن ترامب "لا يمكنه وقف الحرب في غزة ولن يضغط على نتنياهو من أجل ذلك".
ويعتبر إيلي بيبرز من منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي أن ترامب سيسعى لتخفيف التوتر مع نتنياهو، بعدما أقام بايدن علاقات صعبة مع إسرائيل.
ويقول "ترامب يحب أن ينظر إلى الأمور بالمقارنة مع خصومه"، مشيرا إلى أنه يريد أن "يجعل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية عظيمة من جديد" تماشيا مع شعاره لأمريكا.