السيارات الكهربائية المستعملة تتحول إلى كابوس.. لا مشترين

في ظل الطفرة التي شهدها سوق السيارات الكهربائية الجديدة خلال السنوات الأخيرة، كانت الآمال معقودة على أن تنتقل هذه الديناميكية تدريجيًا إلى سوق السيارات المستعملة، بما يتيح تعزيز التحول البيئي وخفض الانبعاثات الكربونية.
لكن الواقع خالف التوقعات، وباتت السيارات الكهربائية المستعملة تمثّل صداعًا مزمنًا لتجار السيارات في فرنسا، مع مخزون آخذ في التراكم، وانهيار في الأسعار، وخسائر تتصاعد دون أفق واضح للحل.
السيارات تكدّست... والمشترون يعزفون
من طرازات فيات 500، إلى كيا e-Niro، ورينو زوي، تقف السيارات الكهربائية المستعملة في ساحات المعارض بانتظار زبائن لا يأتون. بعضها ينتظر لأشهر دون بيع، حتى مع خفض الأسعار بشكل لافت.
ويؤكد أحد كبار العاملين في القطاع أن "هذا الجمود لا يقتصر على طراز أو طرازين، بل يشمل القطاع بأكمله"، مضيفًا بلهجة حادة: "هذه الأزمة قد تدفع بعض الموزعين نحو الإفلاس"، بحسب مجلة "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية.
وفي هذا السياق، يلخّص باتريك بريان، مدير قسم الشراء في شبكة "Distinxion" المتخصصة في السيارات المستعملة، الموقف بقوله: "السيارة الكهربائية المستعملة لم تعد سوقًا، بل أصبحت مشكلة قائمة بحد ذاتها".
تراجع القيمة وانعدام الثقة
أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية يكمن في التراجع الحاد لقيمة السيارات الكهربائية بمجرد خروجها من المعرض. ومع التطورات التقنية السريعة، وسرعة تقادم البطاريات، يخشى المشترون أن يصبح اقتناؤها "صفقة خاسرة". كما أن الكثيرين لا يثقون بعمر البطارية أو تكاليف صيانتها، مما يزيد من ترددهم.
مساعدات حكومية للسوق الأولية... وغياب الحوافز للمستعمل
في المقابل، تحظى السيارات الكهربائية الجديدة بدعم حكومي كبير، سواء عبر مكافآت بيئية أو تخفيضات ضريبية، ما يجعلها أكثر جاذبية مقارنة بالمستعملة. وهذا ما يؤثر سلبًا على حركة السوق الثاني، حيث لا يستفيد المشترون من أي حوافز مالية مغرية عند اقتناء سيارة كهربائية مستعملة.
ضغوط مالية على التجار ومخاوف من تصاعد الأزمة
أمام هذا الواقع، يجد العديد من تجار السيارات أنفسهم في وضع مالي هشّ. فقد اشتروا تلك المركبات بأسعار عالية نسبيًا، أملًا في إعادة بيعها سريعًا، لكن انخفاض الأسعار جعلهم محاصرين بخسائر متراكمة. والأسوأ، بحسب بعض الخبراء، أن الأزمة مرشحة للتفاقم مع بداية سبتمبر/ أيلول، مع انتهاء العطلة الصيفية وتراجع الإقبال العام على الشراء.
وقال أحد التجار: "في كل أسبوع تبقى فيه السيارة في المخزن، نخسر أموالًا إضافية. الوضع لا يُحتمل."
الحاجة إلى تدخل حكومي عاجل
تُجمع أصوات كثيرة داخل القطاع على أن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل، ويجب إطلاق خطة وطنية لدعم السيارات الكهربائية المستعملة، سواء عبر حوافز مالية مباشرة للمشترين، أو برامج تأمين البطاريات، أو إعادة النظر في الضرائب المفروضة.
من جانبه، قال باتريك بريان: "إذا أردنا نجاح الانتقال البيئي، فلا يمكننا ترك سوق السيارات الكهربائية المستعملة ينهار بهذا الشكل."
وتحوّلت السيارة الكهربائية المستعملة في فرنسا من رمز للتقدّم البيئي إلى عبء ثقيل على كاهل تجار السيارات. ومع غياب المشترين وتراجع القيمة، يواجه القطاع خطر الانهيار ما لم تتدخل الدولة سريعًا. فهل تتحرك باريس لإنقاذ هذه السوق؟ أم أن السيارات الكهربائية ستبقى "جديدة أو لا شيء"؟
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز