أما البابا فرنسيس فعرف عنه أنه رجل سلام، يؤمن به بحق ويدعو إليه في كل مناسبة، كما عرف عنه تشجيعه للحوار
"يسرني أن ألتقي بشعب يعيش الحاضر ونظره يتطلع إلى المستقبل على تلك الأرض التي تسعى لأن تكون نموذجاً للتعايش والأخوة الإنسانية واللقاء بين مختلف الحضارات والثقافات، حيث يجد فيها الكثيرون مكاناً آمنا للعمل والعيش بحرية، وتحترم الاختلاف".
لم تكن فقط رسالة للإمارات، بل شهادة صدق في حق شعبها وقادتها تردد صداها في كل أرجاء المعمورة بعد أن تلقفتها معظم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فور بثها، رسالة حق من قيمة وقامة إنسانية بحجم الحبر الأعظم تضمنت توثيقاً تاريخياً وإنسانياً لحقائق وخصال سجلت باسم شعب الإمارات
هكذا يرى قداسة البابا فرنسيس الإمارات، وهكذا ينظر إلى شعبها، وبهذه اللغة الإنسانية التي لا يجيدون غيرها يخاطبهم، خطاباً ودياً إنسانياً يخرج من القلب ليصل إلى القلوب.. دون عناء البحث عن مفردات رسمية منمقة، فخرج خطابه بليغاً زاد من بلاغته ومصداقيته، حيث توجه البابا فرنسيس بخطابه لشعب الإمارات، ليس فقط لكونه الشعب المضيف، بل أيضاً وهو الأهم لكونه يراه نموذجاً ملهماً للتسامح والرقي، فلم يكتفِ البابا بالتعبير عن سعادته بزيارته لدولة الإمارات وإنما وصفها بأنها "أرض الازدهار والسلام، دار التعايش واللقاء، التي يجد فيها الكثيرون مكاناً آمنا للعمل والعيش بحرية تحترم الاختلاف"، في خطاب استثنائي حمل في طياته العديد من المعاني والدلالات التي تؤكد أن الزيارة لها أهداف أسمى من السياسة وأعمق من الرسميات، وأمضى أثراً من الزيارات البروتوكولية، وأنها تأكيد موثق للصورة الذهنية المفعمة بالإنسانية والتسامح للإمارات وشعبها.
لم تكن فقط رسالة للإمارات، بل شهادة صدق في حق شعبها وقادتها تردد صداها في كل أرجاء المعمورة بعد أن تلقفتها معظم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فور بثها، رسالة حق من قيمة وقامة إنسانية بحجم الحبر الأعظم تضمنت توثيقاً تاريخياً وإنسانياً لحقائق وخصال سجلت باسم شعب الإمارات، وستكتب بأحرف من نور في سجلات التاريخ، وبلغ هذا الود أعلاه في لغة الرسالة التي جاءت أبعد ما تكون عن الرسمية وأقرب ما تكون للغة الشعوب ذات الضمائر الحية، ففي لفتة إنسانية طيبة وذكية خاطب أسقف روما وسيد دولة الفاتيكان الشعب الإماراتي بالصفة التي يفضلونها والتسمية الأثيرة لديهم، حين وجه قداسته التحية لهذا الشعب العظيم قائلاً "أستعد بفرح للقاء وتحية عيال زايد في دار زايد"، فجميع أبناء الإمارات يفتخرون بأن قدوتهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويحرصون على السير على نهجه وتتبع خطاه، وعاماً تلو آخر ويوماً بعد يوم يثبت الإماراتيون بأنهم جديرون بحمل اسم زايد، لذا يفخرون دائما بتسمية أنفسهم "عيال زايد"، وأصبح كل إماراتي يجسد هذه التسمية من خلال مبادئه وسلوكه وأفعاله ومواقفه وإسهامه في بناء مجد وطنه وإعلاء رايته والحفاظ على اسم الإمارات، وتمثيلها بأفضل صورة ممكنة.
وإذا كان زايد لا يزال حاضراً وبقوة عند عياله وسيظل كذلك، فهو كان حاضراً أيضاً بوصف البابا له بصفة "طيب الذكر" في رسالته، والتي أكد فيها حكمة الشيخ زايد وعمق رؤيته، واستشهد فيها بإحدى مقولاته التي أثبتت صدق التجربة الإماراتية وهي "أن الثروة الحقيقية ليست في الإمكانيات المادية وحدها وإنما الثروة الحقيقية للأمة تكمن في أفراد شعبها الذين يصنعون مستقبل أمتهم، فالثروة الحقيقية هي ثروة الرجال"، ولم يأتِ ذكر بابا الفاتيكان للشيخ زايد واستشهاده بإحدى مقولاته من فراغ، حيث تجمع هاتان القامتان العظيمتان كثيراً من القيم والخصال المشتركة، فكلاهما ينشد السلام والوئام ويدعو للتسامح والتعايش بين الشعوب، وكلاهما ينبذ العنف والتعصب وخطاب الكراهية، فدائماً ما كان الشيخ زايد يؤكد أن الإسلام دين تسامح ومودة ورحمة وتفاهم، دين يدعو للتقارب بين البشر، ومعاملتهم بالتي هي أحسن، دين لا يعرف العنف الذي يمارسه إرهابيون باسمه وهم منه براء.
أما البابا فرنسيس فعرف عنه بأنه رجل سلام، يؤمن به بحق ويدعو إليه في كل مناسبة، كما عرف عنه تشجيعه للحوار، والتواصل بين مختلف الحضارات والثقافات والديانات وتقديره لأهمية ترسيخ ثقافة التلاقي والعيش المشترك بدلاً من ثقافة التنابذ والتعصب والكراهية، وهي القيم والصفات التي أكدها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، أمس عندما جدد ترحيبه بـالبابا فرنسيس، فوصفه بأنه "رجل السلام والمحبة"، وأن زيارته للإمارات تعكس تاريخ الأخوة والإنسانية، وهي القيم نفسها التي آمن بها ودعمها وعمل على ترسيخها الشيخ زايد آل نهيان طيب الله ثراه، لذا لم يكن مفاجئاً لي عندما علمت أنه كانت هناك صداقة قديمة ومعرفة عميقة بين الشيخ زايد وبين البابا فرنسيس، عندما كان لا يزال كاردينالا وقبل أن يتم اختياره ليصعد للسدة البطرسية في مارس 2013، ليكون أول بابا للفاتيكان يحمل هذا الاسم "فرنسيس الأول" نسبة للقديس "فرنسيس الآسيزي"، الذي اختار حياة الزهد ولم يعرف للترف طريقاً لحياته، وكان يساعد الفقراء ويدعو الجميع للاهتمام بهم ويدافع عن السلام والتعايش.
ولعل هذا النهج هو النهج نفسه الذي سار عليه البابا فرنسيس الذي كان يعرف باسم "كاردينال الفقراء"، والذي رفض رفضاً قاطعاً اقتران كلمة "إسلام" بأي اعتداء أو هجوم يتم بدعوى الدين، بل كان يفضل دوماً استخدام كلمة "إرهابي"، ودعا العالم الإسلامي، من قادة سياسيين ورجال دين وجامعيين إلى إدانة لا لبس فيها للإرهاب، الذي يشكل مصدراً لأفكار ملتبسة حول الإسلام، وعرف عنه مواقفه الداعمة للتسامح والرافضة للتعميمات المغلوطة ومحاولاته الجادة لتغيير الصورة النمطية حول الإسلام والمسلمين في الغرب، ولعل زيارة البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات، التي وصفها بنفسه في رسالته بأنها تاريخية، ستمثل بلا شك خطوة مهمة في دعم مسيرته من أجل السلام وتعزيز رسالته في دعم قيم التسامح والحوار والأخوة الإنسانية التي يحملها من قلب الفاتيكان إلى أرض التسامح والسلام.. دار التعايش واللقاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة