معركة حلب هي واحدة من أكثر الصراعات في المناطق الحضرية تدميراً في العصر الحديث
معركة حلب هي واحدة من أكثر الصراعات في المناطق الحضرية تدميراً في العصر الحديث، حيث يعد الظفر بحلب، ثاني أكبر المدن السورية بأغلبية سُنية والعاصمة التجارية لسوريا، هدفاً استراتيجياً رئيساً، والانطلاق منها إلى إدلب لجعل بشار الأسد لاعباً رئيساً في تحديد مصير المستقبل السوري، واللاعب الأهم في وضع خريطة طريق ما بعد الحرب، ومحاصرة المعارضين وجميع الخصوم من جميع الاتجاهات، وتطويقهم عسكرياً، وقطع طرق الإمداد عنهم لتوجيه بوصلة الحرب للحدود التركية، وقيام سوريا الفيدرالية وحكم ذاتي للأكراد، ما يوسع دائرة الصراع، والتمهيد لحزمة جديدة من الحروب، والرسالة واضحة، وهي أن المصالح الاستراتيجية أكبر من تناثر جثث الأبرياء كالقمامة في الأزقة، والدمار والتشريد في حلب، و«فيتو» هنا وتأييد هناك، وأميركا تصنف «جبهة النصرة»- «جبهة فتح الشام» حالياً- كمعارضة معتدلة في شهر أغسطس الماضي، علماً بأنها في وقت سابق كانت ُتحذر منها كفرع لتنظيم «القاعدة»، فكل شيء معروض للبيع في حملة تغيير الخارطة المذهبية والقومية لحلب بمشاركة كبيرة لميلشيات إيرانية وعراقية وشيعية و«حزب الله» وأفغان تم تزوير جوازات سفرهم، ناهيك عن مقاتلي المخيمات ووحدات حماية الشعب الكردية.. وحلب وريف حلب موزع بين سيطرة قوات النظام والميليشيات التابعة والدول الداعمة لها، وفصائل المعارضة السورية المسلحة من عرب وأكراد ووطنية وجهادية وغيرها.
نسمع- وبصورة يومية- عن الوضع الإنساني المأساوي لسكان حلب المحاصرين تحت قصف القنابل واستخدام كل الوسائل كالسيطرة على محطات توزيع المياه، وتحويلها لأداة تهجير وضغط على الخصوم، لتظهر علينا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار عن تشابك عنيف هنا وهناك في أجزاء متفرقة من حلب وريفها، وصد المعارضة لهجوم تشنه القوات الحكومية أو مواصلة المقاتلات الروسية والسورية غاراتها على الأحياء الشرقية من المدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة. ومجمل الخسائر تكون بين المدنيين في أم المعارك تلك، ولا غرابة إنْ تم تدمير شرق حلب بالكامل في غضون شهرين، لتبقى عقوبات وقرارات الأمم المتحدة حبيسة «الفيتو» مع سيناريو متكرر لوضع الضغوط على روسيا في مجلس الأمن الدولي لاستخدام حليفتها الأسلحة الكيميائية، وقصف روسيا وحلفائها للمناطق السكنية وقتل المدنيين دون تمييز، وتدمير المدينة تحت عذر استهداف مقاتلي المعارضة المسلحة، وجبهات عديدة في الصراع.
ويتساءل البعض إنْ كان القصف الروسي لمناطق خاضعة لسيطرة «الجيش السوري الحر» والفصائل الإسلامية الأخرى، تقع ضمن أهداف خفية لفتح المجال لـ «داعش» لاستعادة بعض المناطق التي فقدت سيطرتها عليها في السابق، وتقوية نظام الأسد في صفقة معقدة بين الحرب والسلام، وجرائم حرب أصبحت فضيحة دولية تحت غطاء المصالح المتنافسة والتجويع والحصار لإجبار السكان العزل على ترك المنطقة كلاجئين، والضغط على العالم بأسره لتحويل القضية لقضية لاجئين بالمقام الأول.
وفي تعبئة خاصة، تنخرط القوات الموالية للحكومة داخل المناطق المحيطة بحلب في تجهيز آلاف عدة من مقاتلي الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران والمعروفة باسم «لجان التعبئة الشعبية»، ويعتقد أن ما لا يقل عن عشرة أعضاء من الحرس الثوري الإيراني، وبعضهم في مناصب عسكرية رفيعة المستوى قد قتلوا في معارك بالقرب من مدينة حلب، ناهيك عن انضمام الآلاف من الجنود الروس وقدامى المحاربين للعمل تحت ساتر شركات الأمن الخاصة في معارك برية حاسمة منتظرة، وبدورها واشنطن تحالفت سابقاً على نحو فعال مع الميليشيات الشيعية العراقية لمواجهة «داعش» في العراق، وتقوم بالعمل نفسه في سوريا، والمختلف هنا أن الميليشيات في سوريا تقاتل بجانب حكومة الأسد الذي يعارض الولايات المتحدة أو على أقل تقدير يبدو الموقف علنياً كذلك. ومن جهة أخرى، تحتاج حكومة بشار الأسد للقوات البرية التي قدمتها إيران و«حزب الله»، والتي بدورها تحتاج إلى القوة الجوية الروسية، ولكن كيف سيتمكن بشار وحلفاؤه من هزيمة المعارضة، وهي من الأغلبية السُنية في سوريا، لأن المعارضة ستستمر في محاربة بشار حتى بعد سقوط حلب، وإنْ كان سقوط حلب سيعزل المعارضة في مناطق محددة وسيتفرغ النظام لمهاجمة جبهات المعارضة واحدة تلو الآخر بصعوبة أقل، ويقابل ذلك موقف خليجي شبه موحد لدعم المعارضة كخيار طبيعي لا يخلو من التهديدات لوقف التدخل الأجنبي في الشأن العربي، ومن جانبها ستسعى تركيا للحد من مظاهر الطموح الإيراني، ولن تترك المعارضة تنهزم ليستمر تدفق اللاجئين للجانب التركي، بجانب خطورة قيام دولة كردية على الحدود التركية.
* نقلاً عن جريدة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة