هزتني «زيتونة» من الأعماق. فمواجهة القوات الإسرائيلية لقارب «زيتونة» جرت في المياه الدولية
هزتني «زيتونة» من الأعماق. فمواجهة القوات الإسرائيلية لقارب «زيتونة» جرت في المياه الدولية. والقارب كان ضمن أسطول من قاربين صغيرين يحملان مدنيين كلهم من النساء من شتى أنحاء العالم قاصدات غزة المحاصرة.
غير أن أحد القاربين تعرض للتلف في عرض البحر فلم يكمل الرحلة، فانخفض عدد النساء القاصدات غزة للنصف.
فقارب «زيتونة» وحده هو الذي استكمل رحلته التي استغرقت شهراً تقريباً وعلى متنه 13 سيدة من أنحاء العالم منهن نائبة برلمانية من نيوزيلندا، وطبيبة من ماليزيا وإسرائيلية تعيش في إسبانيا، ودبلوماسية وضابطة سابقة من الولايات المتحدة، فضلاً عن الحاصلة على نوبل ميريد ماجواير البالغة من العمر 72 عاماً والتي كانت قد حصلت على نوبل أصلاً تكريماً لجهودها لإنهاء الصراع في بلادها أيرلندا الشمالية.
والرحلة تم تنظيمها أصلاً بهدف إلقاء الضوء على الحصار المفروض منذ عام 2007 ولفت الانتباه للمعاناة التي تتكبدها النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال عموماً، وليس فقط في قطاع غزة.
وطوال الرحلة التي استغرقت حوالي شهر، كانت الناشطات على متن القارب يتلقين رسائل التضامن من مصادر شتى. كانت أولى تلك الرسائل قد خرجت من عمدة مدينة برشلونة الإسبانية التي أبحر منها الأسطول. فهي خرجت بنفسها لوداعهن وتمنت لهن السلامة. ثم تلا تحية عمدة برشلونة خطاب مفتوح وقع عليه 55 عضواً بالبرلمان الأوروبي حيا الناشطات وتمنى لهن السلامة وطالب إسرائيل بالسماح لهن بالوصول الآمن لمقصدهن. وهو المعنى نفسه الذي عبر عنه وزير خارجية النرويج الذي طالب الحكومة الإسرائيلية بالسماح لزيتونة بالدخول للمياه الإقليمية لغزة.
لكن بالطبع لم تسمح إسرائيل للقارب بالاقتراب أصلاً من المياه الإقليمية، واعترضته في المياه الدولية. وقال البيان الرسمي للناطق باسم الجهة المنظمة، أي «القارب النسائي لغزة»، إن المجموعة لا تعرف شيئاً عن اللائي على متن القارب منذ أن اعترضته القوات الإسرائيلية، إلا في ما يتعلق باثنتين منهن تم ترحيلهما فعلاً ووصلتا لمطار هيثرو الدولي. وقد ظلت الصحف الإسرائيلية وحدها هي مصدر المعلومات عن مصير نساء زيتونة إلى أن أعلنت في تقرير مقتضب أنهن جميعاً كن رهن الاعتقال حتى تم ترحيلهن جميعاً فيما عدا واحدة.
واعترف أن أخبار الأسطول النسائي الذي تابعته منذ إبحاره هزت وجداني. فالنساء اللائي اعتلين ظهر القاربين وينتمين لبلدان شتى من روسيا لجنوب أفريقيا ومن السويد لبريطانيا والجزائر من أنبل نساء العالم في تقديري المتواضع. فقد خرجن من بيوتهن تاركات وراءهن شؤونهن الشخصية والمهنية وضحين براحتهن واستقرارهن من أجل التضامن مع نساء محاصرات. فهن يعتبرن كفاح المرأة ومعاناتها في مكان ما، هو كفاحها ومعاناتها في كل مكان.
والقاربان كانا متواضعين على أفضل تقدير، بدليل أن أحدهما لم يتحمل الرحلة. وهو ما يعني أن تلك المجموعة الصغيرة من النساء خرجن إلى البحر وهن يدركن جيداً، ليس فقط أن حياتهن معرضة للخطر حال المواجهة المؤكدة مع القوات الإسرائيلية، بل معرضة أيضاً لمخاطر الإبحار في أسطول متواضع الإمكانات. ولم يحمل القاربان أي مساعدات إنسانية، إدراكاً منهن أن مثل تلك الحمولات تثير شكوك إسرائيل التي طالما زعمت أن مثل تلك الرحلات التضامنية تحمل أسلحة ضمن المساعدات.
بعبارة أخرى، اختارت تلك المجموعة من النساء أداة رمزية سلمية للتعبير عن التضامن. فكل الذي كانوا يأملونه هو لفت انتباه العالم لمعاناة شعب تحت الاحتلال.
لكن مثلما حدث مع أساطيل سابقة، كانت سفنها أكثر عدداً وتحمل على متنها أعداداً أكبر من النساء والرجال، لم تسمح إسرائيل لزيتونة بالاقتراب من غزة أصلاً. وقالت التقارير إنه قد تم اقتياد القارب لميناء أشدود الإسرائيلي. ورغم أن اللائي على متن القارب عدد صغير للغاية من النساء والأداة التي استخدمنها أداة رمزية إلا أن الأثر أكثر عمقاً بكثير مما قد يبدو عليه. فرغم تجاهل الإعلام الدولي، في أغلبه، للموضوع، إلا أن الأكثر دلالة على تأثير مثل تلك الأداة الرمزية هو رد الفعل الإسرائيلي نفسه. فرغم أن المصدر الوحيد لما جرى كان البيانات الإسرائيلية، إلا أنها ذاتها قالت إن سفينتين حربيتين إسرائيليتين فضلاً عن عدد من القوارب الحربية أحاطت بزيتونة التي لم يكن بها إلا 13 من السيدات المدنيات ليس معهن سوى أغراضهن الشخصية!
والعالم الذي تجاهل القارب ومن على متنه لا يعير بالاً حتى لتبعات السلوك الإسرائيلي غير القانوني المتعلق باعتراض سفن مدنية في المياه الدولية وما تمثله من سوابق دولية لمن يريد مهاجمة السفن في أعالي البحار.
أكثر ما هزني كان كلمات للكندية وندي جولدستين، إحدى نساء القاربين. فهي قبل الإبحار قالت للصحافة إنها تدرك جيداً أن هناك خطراً على حياتها من المواجهة مع القوات الإسرائيلية. ولكنها أضافت «... وبالطبع أنا خائفة. ولكنني أخاف بشكل أكبر من ألا أفعل شيئاً».
نقلا عن / البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة