مصابو انفجار مرفأ بيروت يرفعون شعار "أمس لا يشبه اليوم"
قبل سنة من الآن، دوى انفجار مرفأ بيروت، خطف أرواح أشخاص لا ذنب لهم إلا أنهم وجدوا في الزمان والمكان الخاطئين.
وبهذه الطريقة طالت شظايا الانفجار الآلاف من الأبرياء، منهم من كانت الأيام كفيلة بالتئام جروحهم الجسدية، ومنهم من يحمل آثار النكبة ما دام حيّاً.
بل منهم من لا يزال في غيبوبة ولم يتمكن من هول الفاجعة أن يستيقظ ويعود إلى الحياة من جديد، أما القاسم المشترك بين الجميع فهو أن الألم العميق سيبقى في قلوبهم إلى الأبد.
كُتب على محمد الدقدوقي أن يحمل نكبة بيروت في عينيه وطرفه الاصطناعي، وهو من مرّ الموت أمامه حين كان في المرفأ يعمل في تلك اللحظات المشؤومة.
حاول الدقدوقي الركوب في سيارته والهرب في بداية الحريق إلا أن الانفجار كان أسرع، وأصابه في أنحاء متفرقة من جسده خاطفاً عينه وساقه ومعطلاً يده.
عندما استيقظ على سرير المستشفى صدم بأنه يرى الدنيا بعين واحدة وأن جسده أصبح مشوّهاً وناقصاً، اليوم وبعد مرور عام على الفاجعة يشرح محمد في حديث لـ "العين الاخبارية" كيف تغيّرت حياته قائلاً: "خسرت ساقي اليمنى وعيني اليسرى كما أن يدي اليمنى تحتاج إلى علاج لكي أتمكن من تحريكها".
ابن بلدة برجا والوالد لـ3 أبناء شكر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي التي تكفلت بعلاجه وبتركيب عين اصطناعية له وطرف اصطناعي تنفيذاً لمبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الفخرية لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي "أم الإمارات"، وقال: "أطال الله بعمرها، لن أنسى مساعدتها ووقوفها إلى جانبي".
عمل محمد الدقدوقي 14 سنة في عجمان، وقبل عام من الانفجار قدم إلى لبنان، عمل في مرفأ بيروت كسائق شاحنة، وإذ بكل شيء في حياته ينقلب رأساً على عقب.
وقال: "لم يعد باستطاعتي العمل لتأمين قوت أولادي، الذين صدموا عندما رأوني بهذا الحال، فقد تلذذ الانفجار بوشم الندوب على جسدي".
وعن رأيه بسير التحقيقات قال: "لا يريد المسؤولون كشف الحقيقة، لأن جميعهم متورطون".
تتعدّد أوجه الإصابة والمعاناة، فالشابة لارا حايك (43 سنة) لا تزال في غيبوبة منذ ذلك اليوم الدموي، والدتها نجوى عبّرت في حديث لـ "العين الاخبارية" عن حزنها العميق على فلذة كبدها التي كانت كما قالت "كالوردة التي يفوح عبيرها أينما وجدت، واذ بها تزبل أمام عيني من دون أن أتمكن من فعل شيء لها".
نجوى شرحت كيف أصيبت ابنتها في منزلها في الأشرفية، قائلة: "طار الباب وضرب رأسها، الضربة كانت قوية جداً على دماغها الذي زاد من تلفه توقف نبض قلبها لفترة، نقلت إلى مستشفى الجامعة الأمريكية ومنها إلى مستشفى بحنس التي لا تزال ترقد على سريرها".
شخّص الأطباء غيبوبة لارا بالنباتية، أي حين يكون المريض كما قالت نجوى: "مفتح العينين من دون أن يرى شيئاً، اطلعني الطبيب أنها تحتاج إلى فترة علاج تستغرق بين 6 أشهر إلى سنة، لكن بدلاً من أن تتحسن حالتها، تسوء أكثر، فهي الآن تعاني من التهاب في رئتيها".
وأضافت: "قلبي يبكي في كل لحظة عليها، فأنا موجوعة ومقهورة، أليس حراماً ما حلّ بها، ومع هذا الدولة لا تتكفل بعلاجها، لكن لا يزال لدي أمل أن يستيقظ ضمير المسؤولين ويتابعون علاج المرضى"، مضيفة: "اخشوا العدالة السماوية".
أما جوزف غفري فدفع قطعة من جسده ثمنا لانفجار المرفأ، وبحسب ما قاله لـ"العين الاخبارية": "حين دوى الانفجار كنت أمارس الرياضة في شارع اللعازارية في الأشرفية، سقط حائط عليّ، لم أنتبه بداية إلى ما حلّ بي، حاولت أن أقف لم أستطع، لأصدم عندما سمعت صديقي يصرخ طالباً مني أن أرى ما حلّ بساقي".
وأضاف: "ما شاهدته تعجز كل الكلمات عن وصفه، بقيت ممداً أرضاً نحو 50 دقيقة وأنا أنزف قبل أن أنقل إلى المستشفى".
جوزف (57 سنة) شدد على صعوبة المرحلة التي قطعها وقال: "تعذبت كثيراً، فقد تأخر تركيب الطرف الاصطناعي 10 أشهر بسبب الالتهابات التي عانيت منها بعد العملية"، مشيراً إلى أن "الدولة تكفلت بالعمليات لكن باقي العلاج والفحوص على المرضى".
وأضاف: "نفسياً تخطيت المرحلة، لكن حياتي العملية تغيرت، توقفت عن عملي الإضافي، فنشاطي لم يعد كما في السابق، كما أن مشيتي تغيرت، وقد استغرقت وقتاً لكي أعتاد على قيادة السيارة برجل واحدة".
وختم: "اعتدنا في لبنان ألا يتم الكشف على مرتكبي الجرائم الكبرى، ونحن نريد أن نأخذ حقنا المعنوي فقط، أي أن نعرف من تسبب بقطع أطرافنا وقتل أبنائنا".