فضيحة «إخضاع كيميائي» تهز فرنسا.. 240 امرأة يقعن في الفخ
تواجه فرنسا واحدة من أكبر قضايا الاعتداءات الكيميائية في تاريخها الحديث، إذ تتهم أكثر من 240 امرأة مسؤولًا رفيعًا في وزارة الثقافة، هو كريستيان نيغري، بتخديرهن دون علمهن خلال مقابلات توظيف امتدت بين عامي 2009 و2018.
وبين هذه الضحايا تبرز قصة سيلفي دوليزين، التي قلبت حادثة واحدة مسار حياتها المهنية والشخصية لسنوات طويلة.
سيلفي، التي استمعت لها الجمعية الوطنية الفرنسية عدة مرات بصفتها "ضحية خبيرة" ضمن مهمة برلمانية خاصة بالإخضاع الكيميائي تقودها النائبة ساندراين جوسو، تستعد في 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري لتسجيل حلقة تلفزيونية على قناة "فرانس 2" إلى جانب ضحايا من قضايا مشابهة.
كما ستظهر في برنامج "Ça commence aujourd’hui" لتروي ما عاشته وما تزال تعانيه بعد 10 سنوات من الواقعة، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة وإحباطها من بطء العدالة الفرنسية.
تفاصيل الحادثة
تشير التحقيقات إلى أن نيغري، الذي شغل منصبًا حساسًا في وزارة الثقافة، كان يقدم خلال مقابلات التوظيف مادة مدرة للبول بجرعات قوية، لإجبار المرشحات على التبول أمامه بهدف إذلالهن. ومن بين الضحايا المفترضات، سيلفي دوليزين، البالغة 45 عامًا من شمال فرنسا.
في عام 2015، كانت سيلفي في وضعية مهنية عصيبة، على وشك فقدان حقوقها في الدعم الاجتماعي وبحثها المستمر عن عمل.
حينها تلقّت اتصالًا من نيغري الذي ادعى اهتمامه بخبراتها بعد الاطلاع على ملفها في LinkedIn. بدا العرض فرصة مثالية لمسيرتها المهنية، خاصة أنه كان عضوًا في المجلس الأعلى لمساواة النساء والرجال ويعمل على قضايا مرتبطة بالإعاقة، ما عزز ثقتها به.
وتروي سيلفي تفاصيل المقابلة، بدءًا من القهوة التي قدمها لها، مرورًا بجولة داخل المقر، وصولًا إلى شعورها المفاجئ بحاجة شديدة إلى التبول بشكل غير طبيعي.
تفاقمت الحالة بسرعة إلى درجة الخطر الصحي، ما اضطرها إلى التبول في ممر مشاة قرب نهر السين، في مشهد تصفه بأنه "مهين ومؤلم إلى أقصى حد".
اكتشاف الحقيقة بعد سنوات
لم تدرك سيلفي أنها كانت ضحية إخضاع كيميائي إلا في عام 2019، حين تلقت استدعاءً من الشرطة.
كشف لها المحققون أن المادة التي تناولتها لم تكن عرضية، وأن ما حدث كان مخططًا.
هذا الإدراك، رغم أهميته، أعاد فتح جراح عاطفية عميقة، ودفعها إلى الانزواء وفقدان الثقة بالنفس.
توقفت عن إرسال سيرتها الذاتية وحضور مقابلات العمل، ما أدى إلى تدهور أوضاعها الاجتماعية والمالية حتى وصلت إلى حد الفقر والعزلة.
الإطار القانوني وتداعيات التأخير القضائي
يعرف القانون الفرنسي "الإخضاع الكيميائي" بأنه إعطاء مادة نفسية التأثير لشخص دون علمه بهدف السيطرة عليه أو الاعتداء عليه، ويعاقب عليه بالسجن حتى خمس سنوات وغرامة تصل إلى 75 ألف يورو، مع تشديد العقوبات إذا كانت الضحية قاصرًا أو في وضع هش. ورغم خطورة الملف وكثرة الضحايا.
تشير سيلفي إلى أنه لا يزال لم يُحدد موعد للمحاكمة، وتعتبر أن بطء الإجراءات القضائية "يمدد الاعتداء بدلًا من إنهائه".
وتقول إنه في الوقت الذي تعيش فيه الضحايا تبعات الحادثة، يستمر المتهم في العمل تحت أسماء مستعارة، وهو ما تصفه بـ"الانتهاك الثانوي".
وتضيف أن الجهات الرسمية، بما فيها وزارة الثقافة، كثيرًا ما تتجاهل طلبات الضحايا للحصول على حماية قانونية، ما يعزز الانطباع بأن مسؤولًا يمكنه ارتكاب جرائم كهذه دون محاسبة.
العواقب النفسية والاجتماعية
تؤكد سيلفي أن جسدها استُخدم "كأداة جنسية دون موافقتها"، وأن آثار ما تعرضت له لا تزال ماثلة في حياتها اليومية.
تعيش اليوم اضطراب ما بعد الصدمة، هشاشة اجتماعية، وانعدام ثقة بالنفس، وهي آثار انعكست بشكل مباشر على مسارها المهني وعلى استقرارها الشخصي.
المطالبة بالاعتراف القانوني
تسعى سيلفي إلى أن يُعترف بما تعرضت له كاعتداء جنسي، وأن تتم محاكمة الجاني. وترى أن شهادتها العلنية جزء من محاولة لاستعادة السيطرة على حياتها وإثبات أن جميع النساء اللواتي تعرضن للاستغلال "ضحايا حقيقيات لا مجرد أرقام".
المسار البرلماني والمعركة القانونية
تحولت سيلفي إلى صوت بارز داخل البرلمان، إذ تساهم بخبرتها الشخصية في إعداد تقرير حكومي وتقديم توصيات للحد من الاعتداءات الكيميائية. وتمثلها محاميتان من "مؤسسة النساء" في دعاوى جنائية ضد نيغري، ودعاوى إدارية ضد وزارة الثقافة لعدم توفيرها الحماية للمرشحات وتقصيرها في منع هذه الممارسات.
وتنتظر سيلفي ومعها أكثر من 240 امرأة تحديد موعد محاكمة المسؤول السابق عن الموارد البشرية في وزارة الثقافة، المتهم باستخدام مواد ضارة، والاعتداء الجنسي، وانتهاك الخصوصية، وحيازة مواد محظورة، في قضية تهدد بكشف واحدة من أخطر الثغرات في منظومة حماية النساء داخل المؤسسات الحكومية الفرنسية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTE5IA== جزيرة ام اند امز