الملكة فيكتوريا والهندي عبدالكريم.. صداقة أغضبت البلاط البريطاني
تزخر كتب التاريخ بالعديد من الصداقات الغريبة التي واجهت الرفض، إحداها الصداقة بين الملكة فيكتوريا وخادمها الهندي عبدالكريم.
يعرف الكثيرون عن حياة فيكتوريا، ملكة المملكة المتحدة (بريطانيا العظمي وإيرلندا)، وزواجها بالأمير ألبرت، وشغفها بالفنون وإدارتها للحياة السياسة حتى لقبت بأم أوروبا.
لكن جزءا في حياة الملكة فيكتوريا ظل خفيا، وهو علاقتها بخادمها الهندي المسلم عبدالكريم، الذي كانت تلقبه بـ(Munshi) أو المعلم باللغة الأردية، والعلاقة الإنسانية التي جمعت بينهما، حيث رافقها عبدالكريم آخر 15 عاما من حكمها الطويل، واستطاع أن يكسب صداقتها وثقتها رغم الفوارق الاجتماعية الهائلة بينهما.
من هو عبدالكريم؟
- وُلد عبدالكريم، أو الحافظ محمد عبدالكريم، في الهند البريطانية لعائلة هندية مسلمة عام 1863
- كان والده يعمل ممرضًا في مستشفى تابعة لفرقة سلاح الفرسان البريطاني.
- عندما كبر كريم، حصل على وظيفة كاتب في سجن في أغرة.
- اختير كأول هندي يعمل مساعدا خاصا لملكة بريطانيا العظمي وإمبراطورة الهند.
وقد أعجبت الملكة فيكتوريا بشخصيته وذكائه وثقافته وأحاديثه، فجعلته خادمها المقرب وطلبت منه تعليمها اللغة الهندية والقرآن الكريم.
لكن هذه العلاقة تسببت بمشكلات كثيرة في البلاط الملكي، خصوصا بين كبار الموظفين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أعلى من الهنود.
ورغم ذلك، فإنه لم يغير من رأي الملكة فيكتوريا التي أصرت على اصطحاب كريم معها في رحلاتها الرسمية، وأن يعامل معاملة مساوية مع غيره من الإنجليز، ما سبب خلافات كبيرة في البلاط، وحاول ابن الملكة الأمير إدوارد وريث العرش طرد عبدالكريم، لكن الملكة وقفت في وجهه .
منحت الملكة فيكتوريا عبدالكريم لقب المعلم وجعلته سكرتيرها الهندي الخاص وكبير الموظفين الهنود في البلاط، وأغدقت عليه بالتشريفات وحتى منحته أرضا كبيرة في الهند.
ويعتقد بعض المؤرخين أن كريم قد ساهم في تغيير اتجاه رأي وسياسة الملكة فيكتوريا وبريطانيا بخصوص الهند، خاصة وضع المسلمين والهندوس الذي سيُصبِح نواة مشروع تقسيم الهند وإنشاء دولة باكستان فيما بعد .
موقف العائلة المالكة من عبدالكريم
يقال إن أهم الأسباب التي جعلت علاقة الملكة فيكتوريا مع عبدالكريم غير معروفة، يرجع إلى حقيقة أن الكثير من رسائلهما قد أحرقت.
فبعد رفضه للعلاقة التي كانت تربط الملكة بكريم، أمر ابنها الأكبر إدوارد بعد وفاتها بإحراق الرسائل المتبادلة التي كانت تربطه بالملكة فيكتوريا والتي وقعت بعضها لكريم باسم "والدتك المحبة فيكتوريا" .
من جانبها، ذكرت المؤرخة كارولي إريكسون في كتابها "جلالة الملكة الصغيرة: حياة الملكة فيكتوريا"، أن "العنصرية كانت آفة العصر. وكان وضع الخادم الهندي ذي البشرة الداكنة في المنزلة نفسها مع خادمي الملكة البيض أمرا غير مقبول، لذلك كانت مشاركته لهم في تناول الطعام على طاولة واحدة إلى جانب المشاركة في حياتهم اليومية بمثابة إهانة".
وأوضحت الكاتبة أن شراباني باسو، مؤلفة كتاب "فيكتوريا وعبدول"، قد صرحت لصحيفة "التايم" بأنها اطلعت على أوراق خاصة كتبها أفراد عائلة الملكة، بمن في ذلك طبيب الملكة الخاص السير جيمس ريد. وقد ذكر في إحدى الأوراق أن ريد أعرب عن رفضه لوجود كريم، حيث كتب أن الملكة كانت مهووسة بـ"المونشي".
علاوة على ذلك، ذكرت باسو أن كريم صور في السيرة الذاتية الغربية على أنه "محتال"، إذ "تلاعب بالملكة سعيا للشهرة"، لهذا أرادت التحقيق في ماضيه وعلاقته بالملكة فيكتوريا على نحو أكثر تفصيلا.
بعد وفاة الملكة
ظل عبدالكريم بالقرب من الملكة حتى أثناء مرضها، وتوفيت وهو إلى جانبها عام 1901، بعد وفاة الملكة فيكتوريا قام ابنها الملك إدوارد بإبعاد عبد الكريم إلى الهند وتمزيق كل المراسلات.
عاش عبدالكريم بعد وفاة الملكة فيكتوريا في الأرض التي منحته إياها حتى وفاته عام 1909، وقد ألهمت هذه العلاقة الكثير من الروايات والأفلام حول علاقة الصداقة غير العادية بين الملكة والخادم الهندي، آخرها فيلم (فيكتوريا وعبدول) بطولة الممثلة البريطانية القديرة دام جودي دينيش والممثل الهندي علي فضال.